إن هذه الآيات وان لم تصرح بالمقدار الذي استجيب من طلب الشيطان من حيث الزمن، إلا أننا نقرأ في الآية (3) من سورة الحجر أنه تعالى قال له: إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم وهذا يعني أن مطلب الشيطان لم يستجب له بتمامه وكماله، بل استجيب إلى الوقت الذي يعلمه الله تعالى (وسوف نبحث عند تفسير الآية (3) من سورة الحجر حول معنى قوله إلى يوم الوقت المعلوم إن شاء الله).
غير أن الشيطان لم يبغ من مطلبه هذا (أي الإمهال الطويل) الحصول على فرصة لجبران ما فات منه أو ليعمر طويلا، إنما كان هدفه من ذلك هو إغواء بني البشر وقال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي لأغوينهم كما غويت، ولأضلنهم كما ضللت.
3 إبليس أول القائلين بالجبر:
يستفاد من الآية الحاضرة أن الشيطان لتبرئة نفسه نسب إلى الله الجبر إذ قال:
فبما أغويتني لأغوينهم.
بعض المفسرين أصر على تفسير جملة فبما أغويتني بنحو لا يفهم منه الجبر، إلا أن الظاهر هو أنه لا موجب لمثل هذا الإصرار. وشاهد هذا القول هو ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " كان أمير المؤمنين جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين إذا أقبل شيخ فجثا بين يديه ثم قال له: يا أمير المؤمنين: أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء الله وقدره؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): " أجل مه يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر ".
فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين.
فقال له (عليه السلام): " يا شيخ فوالله لقد عظم الله تعالى لكم الأجر في مسيرتكم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا