أية أمة أخرى لقبول الأمر الإلهي: أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم.
والآية المتقدمة كانت تعكس - في الحقيقة - هذا التحجج وهو: أن عدم اهتدائنا إنما هو بسبب غفلتنا وجهلنا بالكتب السماوية، وهذه الغفلة وهذا الجهل ناشئ عن أن هذه الكتب نزلت على الآخرين، ولم تنزل علينا.
أما هذه الآية فتعكس صفة الإحساس بالتفوق والادعاء الفارغ الذي كانوا يدعونه عن تفوق العنصر العربي على غيرهم.
وقد نقل نظير هذا المعنى في سورة فاطر في الآية (42) عن مقالة المشركين في شكل مسألة قاطعة وليس من باب القضية الشرطية وذلك عندما يقول:
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا.
وعلى أية حال فإن القرآن يقول في معرض الرد على هذه الادعاءات أن الله سبحانه سد عليكم كل سبل التملص والفرار، وأبطل جميع الذرائع والمعاذير، لأن الله آتاكم كل الآيات، وأقام كل الحجج المقرونة بالهداية الإلهية وبالرحمة الربانية لكم: فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة.
والملفت للنظر أنه استعمل لفظ " البينة " بدل الكتاب السماوي، وهو إشارة إلى أن هذا الكتاب السماوي واضح المعالم، بين الحقائق من جميع الجهات، ومقرون بالدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة اللامعة.
ومع ذلك فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها.
و " صدف " من " الصدف " ويعني الإعراض الشديد - من دون تفكير - عن شئ، وهو إشارة إلى أنهم لم يكونوا ليعرضوا عن آيات الله فحسب، بل كانوا يبتعدون عنها - أيضا - من دون أن يفكروا فيها أدنى تفكير. ربما استعملت هذه اللفظة بمعنى آخر وهو منع الآخرين أيضا.