قد تكون تلك الأقوام من بني إسرائيل أمروا بذبح بقرة للتحقيق في أمر جريمة (انظر شرح ذلك في المجلد الأول من هذا التفسير) فراحوا يمطرون موسى بالأسئلة عن خصائص البقرة ومميزاتها مما لم يكن قد نزل بشأنها أي شئ، ولكنهم بسؤالاتهم المتكررة التي لم تكن ضرورية أخذوا يشقون على أنفسهم، بحيث أن العثور على تلك البقرة الموصوفة أصبح من الصعوبة بمكان وتحملوا الكثير من النفقات في سبيل ذلك، حتى كادوا أن ينصرفوا عن التنفيذ.
في تفسير قوله تعالى وأصبحوا بها كافرين احتمالان:
الأول: أن المقصود بالكفر هو العصيان، كما سبقت الإشارة إليه.
والثاني: هو أن الكفر قصد بمعناه المعروف، وذلك لأن سماع الإجابات المزعجة التي تثقل على السامع قد تدفع به إلى إنكار أصل الموضوع وصلاحية المجيب، كأن يسمع مريض جوابا لا يروقه من طبيبه، فيؤدي رد الفعل به إلى إنكار صلاحية الطبيب واتهامه بعدم الفهم مثلا أو بالهرم ونسيان المعلومات.
في ختام هذا البحث نجد لزاما أن نكرر ما قلناه في بدايته، وهو أن هذه الآيات لا تمنع أبدا القاء الأسئلة المنطقية التربوية والبناءة، بل تتحدد بالأسئلة التي لا لزوم لها، وبالتعمق في أمور لا ضرورة للتعمق فيها والتي من الأفضل بل من اللازم - أحيانا - بقاؤها في طي الكتمان.
* * *