قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار.
قال المفسرون: إن اليهود كانت تزعم أنه يجب أن يكون للأنبياء خصوص هذه المعجزة، وهي أن يقربوا قربانا فتنزل النار من السماء وتأكل قربانهم، ففي ذلك دلالة على صدق المقرب (أي صاحب القربان).
ولو أن اليهود كانوا صادقين في هذا الطلب، وكانوا يريدون - حقا - مثل هذا الأمر من باب إظهار الإعجاز، وليس من باب العناد واللجاجة والمغالطة لكان من الممكن إعذارهم، ولكن تاريخهم الغابر، وكذا مواقفهم المشينة مع نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) تثبت الحقيقة التالية، وهي أنهم لم يكونوا أبدا طلاب حق وبغاة علم، بل كانوا يأتون كل يوم بمغالطة واقتراح جديد لمواجهة الجو الضاغط عليهم، وما كان يخلقه القرآن من وضع محرج لهم بفضل ما كان يقيمه من براهين ساطعة وقوية، وذلك فرارا من قبول الإسلام، والانضواء تحت رايته، وحتى لو أنهم حصلوا على مقترحاتهم فإنهم كانوا يمتنعون عن الإيمان، بدليل أنهم كانوا قد قرأوا في كتبهم كل علائم نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنهم مع ذلك أبوا إلا رفض الحق، وعدم الإذعان له.
يقول القرآن في مقام الرد عليهم: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين؟ وفي ذلك إشارة إلى زكريا ويحيى وطائفة من الأنبياء الذين قتلوا على أيدي بني إسرائيل.
هذا ويذهب بعض متأخري المفسرين (مثل كاتب تفسير المنار) إلى احتمال آخر حول مسألة القربان خلاصته: إن مقصودهم لم يكن إن على النبي أن يذبح قربانا وتنزل من السماء نار بطريقة إعجازية وتحرق ذلك القربان، بل كان مرادهم هو أنه كان في تعاليم دينهم نوع من هذا القربان الذي يذبح بطريقة خاصة وفي مراسيم معينة، ثم يحرق بالنار وهو ما جاء شرحه في الفصل الأول من سفر " اللاويين " من التوراة (العهد القديم).