تظل جيادهم نوحا عليهم * مقلدة أعنتها صفونا (1) أي: نائحة. وثانيها: إن المعنى: ولكن ذا البر من آمن بالله، فحذف المضاف من الخبر، وأقام المضاف إليه مقامه، كقول الشاعر:
وكيف تواصل من أصبحت * خلالته كأبي مرحب وكقول النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي * على وعل في ذي المطارة عاقل أي: على مخافة وعل ومثله قوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام). ثم قال: (كمن آمن) أي: كإيمان من آمن. وقوله:
(والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) في رفعه قولان: أحدهما: أن يكون مرفوعا على المدح، لأن النعت إذا طال وكثر رفع بعضه، ونصب على المدح. والمعنى: وهم الموفون. والآخر: أن يكون معطوفا على من آمن، والمعنى: ولكن ذا البر، أو ذوي البر المؤمنون والموفون بعهدهم.
وأما قوله: (والصابرين): فمنصوب على المدح أيضا، لأن مذهبهم في الصفات والنعوت إذا طالت أن يعترضوا بينها بالمدح أو الذم، ليميزوا الممدوح أو المذموم، وتقديره أعني الصابرين. قال أبو علي: والأحسن في هذه الأوصاف التي تقطعت للرفع من موصوفها والمدح أو الغض منهم والذم، أن يخالف بإعرابها، ولا تجعل كلها جارية على موصوفها، ليكون ذلك دلالة على هذا المعنى وانفصالا لما يذكر للتنويه والتنبيه، أو النقص والغض مما يذكر للتخليص والتمييز بين الموصوفين المشتبهين في الاسم، المختلفين في المعنى، ومن ذلك قول الشاعر أنشده الفراء:
إلى الملك القرم، وابن الهمام، * وليث الكتيبة في المزدحم وذا الرأي حين تغم الأمور * بذات الصليل، وذات اللجم (2) فنصب ليث الكتيبة وذا الرأي على المدح، وأنشد أيضا:
فليت التي فيها النجوم تواضعت * على كل غث منهم، وسمين