وفي هذه الآية دلالة على أن الوصي أو الوارث، إذا فرط في الوصية أو غيرها، لا يأثم الموصي بذلك، ولم ينقص من أجره شئ، فإنه لا يجازى أحد على عمل غيره. وفيها أيضا دلالة على بطلان قول من يقول: إن الوارث إذا لم يقض دين الميت، فإنه يؤخذ به في قبره أو في الآخرة، لما قلناه من أنه يدل على أن العبد لا يؤاخذ بجرم غيره، إذ لا إثم عليه بتبديل غيره. وكذلك لو قضى عنه الوارث من غير أن يوصي به، لم يزل ذلك عقابه إلا أن يتفضل الله بإسقاطه عنه.
(فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (182)).
القراءة: قرأ أهل الكوفة غير حفص ويعقوب: (موص) بالتشديد. وقرأ الباقون: (موص) بالتخفيف.
الحجة: ذكرناها عند قوله: (ووصى بها إبراهيم).
اللغة: الجنف: الجور، وهو الميل عن الحق. وقال صاحب العين:
هو الميل في الكلام، وفي الأمور كلها. يقال: جنف علينا فلان، وأجنف في حكمه، وهو مثل الحيف إلا أن الحيف في الحكم خاصة، والجنف عام.
ورجل أجنف: في أحد شقيه ميل على الآخر. قال الشاعر في الجنف:
إني امرء منعت أرومة عامر * ضيمي، وقد جنفت علي خصوم (1) الاعراب: (من) في قوله (من موص): يتعلق بمحذوف تقديره: فمن خاف جنفا كائنا من موص. فموضع الجار والمجرور مع المحذوف، نصب على الحال. وذو الحال قوله (جنفا). وبين: ظرف مكان لأصلح. والضمير في (بينهم) عائد إلى معلوم بالدلالة عليه عند ذكر الموصي والإصلاح، لأنه يدل على الموصى لهم، ومن ينازعهم. وأنشد الفراء في مثله:
أعمى إذا ما جارتي خرجت * حتى يواري جارتي الخدر ويصم عما كان بينهما * سمعي، وما بي غيره وقر أراد بينها وبين زوجها، وإنما ذكرها وحدها.