وقيل معناه: قلنا لهم قولوا. واختلف في معنى قوله (حسنا) فقيل: هو القول الحسن الجميل، والخلق الكريم، وهو مما ارتضاه الله، وأحبه، عن ابن عباس.
وقيل: هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عن سفيان الثوري. وقال الربيع بن انس: قولوا للناس حسنا أي: معروفا.
وروى جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، في قوله (وقولوا للناس حسنا) قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين، الفاحش المتفحش السائل الملحف، ويحب الحليم العفيف المتعفف.
ثم اختلف فيه من وجه آخر، فقيل: هو عام في المؤمن والكافر على ما روي عن الباقر عليه السلام. وقيل: هو خاص في المؤمن. واختلف من قال إنه عام، فقال ابن عباس وقتادة: إنه منسوخ بآية السيف وبقوله عليه السلام: (قاتلوهم حتى يقولوا لا إله إلا الله أو يقروا بالجزية). وقد روي ذلك أيضا عن الصادق عليه السلام. وقال الأكثرون: إنها ليست بمنسوخة، لأنه يمكن قتالهم مع حسن القول في دعائهم إلى الإيمان، كما قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال في آية أخرى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم). وقوله: (وأقيموا الصلاة) أي: أدوها بحدودها الواجبة عليكم، (وآتوا الزكاة) أي: أعطوها أهلها، كما أوجبها الله عليكم. روي عن ابن عباس أن الزكاة التي فرضها الله على بني إسرائيل، كانت قربانا تهبط إليه نار من السماء فتحمله، فكان ذلك تقبله. ومتى لم تفعل النار به ذلك، كان غير متقبل. وروي عنه أيضا أن المعني به طاعة الله، والاخلاص. وقوله: (ثم توليتم) أي: أعرضتم (إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) أخبر الله سبحانه عن اليهود أنهم نكثوا عهده، ونقضوا ميثاقه، وخالفوا أمره، وتولوا عنه معرضين إلا من عصمه الله منهم، فوفى الله بعهده وميثاقه، ووصف هؤلاء بأنهم قليل، بالإضافة إلى أولئك.
واختلف فيه فقيل: إنه خطاب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من يهود بني إسرائيل، وذم لهم بنقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم في التوراة وتبديلهم أمر الله، وركوبهم معاصيه. وقيل: إنه خطاب لأسلافهم المذكورين في أول الآية، وإنما جمع بين التولي والإعراض، وإن كان معناهما واحدا، تأكيدا.