الاعراب: قوله (لا تعبدون): لا يخلو إما أن يكون حالا، أو يكون تلقي القسم، أو يكون على لفظ الخبر، والمعنى معنى الأمر، أو يكون على تقدير أن لا تعبدوا، فتحذف أن، فيرتفع الفعل. فإن جعلته حالا، فالأولى أن يكون بالياء، ليكون في الحال ذكر من ذي الحال، وكأنه قال أخذنا ميثاقهم موحدين. وإن جعلته تلقي قسم، وعطفت عليه الأمر، وهو قوله وقولوا، كنت قد جمعت بين أمرين لا يجمع بينهما، فإن لم تحمل الأمر على القسم، وأضمرت القول كأنه قال وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله، وقلنا وأحسنوا بالوالدين إحسانا، فيكون وقلنا على هذا معطوفا على أخذنا جاز، لأن أخذ الميثاق قول، فكأنه قال: قلنا هم كذا وكذا.
وإن حملته على أن اللفظ لفظ خبر، والمعنى معنى الأمر، يكون مثل قوله (تؤمنون بالله ورسوله)، ويدل على ذلك قوله (يغفر لكم). ويؤكد ذلك أنه قد عطف عليه بالأمر، وهو قوله: (وبالوالدين إحسانا) (وقولوا)، (وأقيموا الصلاة). وإن حملته على أن المعنى أخذنا ميثاقهم بأن لا تعبدوا، فلما حذف (أن) ارتفع الفعل، كما قال طرفة:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى، * وان أشهد اللذات، هل أنت مخلدي (1) فإن هذا قول إن حملته عليه، كان فيه حذف بعد حذف. وزعم سيبويه أن حذف أن من هذا النحو قليل. وقوله: (وبالوالدين إحسانا) الحرف الجار يتعلق بفعل مضمر، ولا يجوز أن يتعلق بقوله (إحسانا)، لأن ما تعلق بالمصدر لا يجوز أن يتقدم عليه. وأحسن يصل إلى المفعول بالباء، كما يصل بإلى، يدلك على ذلك قوله: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن) فتعدى بالباء كما تعدى بإلى في قوله (وأحسن كما أحسن الله إليه).
وقوله: (ثم توليتم إلا قليلا منكم) قال الزجاج: نصب قليلا على الاستثناء.
المعنى أستثني قليلا منكم. قال أبو علي: إن في هذا التمثيل إيهاما أن الاسم المستثنى ينتصب على معنى أستثني، أو بإلا، وليس كذلك بل ينتصب الاسم المستثنى عن الجملة التي قبل إلا بتوسط إلا، كما ينتصب الطيالسة ونحوها في قولك جاء البرد والطيالسة، وما صنعت وأباك، عن الجملة التي قبل الواو بتوسط الواو.