وقوله: (تظاهرون عليهم) في موضع نصب على الحال من (تخرجون).
وقوله: (وهو محرم عليكم إخراجهم) هو على ضربين أحدهما: أن يكون إضمار الإخراج الذي تقدم ذكره في قوله (وتخرجون فريقا منكم). ثم بين ذلك بقوله (إخراجهم) تأكيدا لتراخي الكلام. والآخر: أن يكون هو ضمير القصة والحديث، فكأنه قال: والحديث محرم عليكم إخراجهم، كما قال الله: (قل هو الله أحد) أي الأمر الذي هو الحق الله أحد.
المعنى: (ثم أنتم هؤلاء) يا معشر يهود بني إسرائيل، بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم، أن لا تسفكوا دماءكم، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم، وبعد شهادتكم على أنفسكم بذلك أنه واجب عليكم، ولازم لكم الوفاء به (تقتلون أنفسكم) أي: يقتل بعضكم بعضا، كقوله سبحانه: (فإن دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) أي: ليسلم بعضكم على بعض. وقيل:
معناه تتعرضون للقتل (وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم) أي: متعاونين عليهم في اخراجكم إياهم، (بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم) أي: وأنتم مع قتلكم من تقتلون منكم إذا وجدتم أسيرا في أيدي غيركم من أعدائكم، تفدونهم، وقتلكم إياهم، وإخراجكموهم من ديارهم، حرام عليكم، كما أن تركهم أسرى في أيدي عدوهم، حرام عليكم، فكيف تستجيزون قتلهم، ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم، وهما جميعا في حكم اللازم لكم فيهم، سواء، لأن الذي حرمت عليكم من قتلهم، وإخراجهم من دورهم، نظير الذي حرمت عليكم من تركهم أسرى في أيدي عدوهم.
(أفتؤمنون ببعض الكتاب) الذي فرضت عليكم فيه فرائضي، وبينت لكم فيه حدودي، وأخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي، فتصدقون به، فتفادون أسراكم من أيدي عدوهم، (وتكفرون ببعض): وتكفرون ببعضه فتجحدونه، فتقتلون من حرمت عليكم قتله من أهل دينكم وقومكم، وتخرجونهم من ديارهم، وقد علمتم أن الكفر منكم ببعضه نقض منكم لعهدي وميثاقي.
واختلف فيمن عنى بهذه الآية. فروى عكرمة، عن ابن عباس أن قريظة والنضير كانا أخوين كالأوس والخزرج، فافترقوا. فكانت النضير مع الخزرج، وكانت قريظة مع الأوس. فإذا اقتتلوا عاونت كل فرقة حلفاءها. فإذا وضعت الحرب أوزارها