لقوله: (ولما جاءهم كتاب من عند الله)، ولقوله: (فلما جاءهم ما عرفوا) وإنما كرر (لما) لطول الكلام، عن المبرد.
النزول: قال ابن عباس: كانت اليهود يستفتحون أي: يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب، ولم يكن من بني إسرائيل، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر اليهود! اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد، ونحن أهل الشرك، وتصفونه، وتذكرون أنه مبعوث فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشئ نعرفه، وما بالذي كنا نذكر لكم. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى العياشي بإسناده رفعه إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين عير وأحد، فخرجوا يطلبون الموضع، فمروا بجبل يقال له حداد فقالوا: حداد وأحد سواء، فتفرقوا عنده. فنزل بعضهم بتيماء، وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر. فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم، فمر بهم أعرابي من قيس، فتكاروا منه، وقال لهم: أمر بكم ما بين عير وأحد. فقالوا له: إذا مررت بهما فآذنا بهما، فلما توسط بهم أرض المدينة، قال: ذلك عير وهذا أحد. فنزلوا عن ظهر إبله، وقالوا له: قد أصبنا بغيتنا، فلا حاجة بنا إلى إبلك، فاذهب حيث شئت. وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر: إنا قد أصبنا الموضع، فهلموا إلينا. فكتبوا إليهم: إنا قد استقرت بنا الدار، واتخذنا بها الأموال، وما أقربنا منكم، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم، واتخذوا بأرض المدينة أموالا. فلما كثرت أموالهم بلغ ذلك تبع (1) فغزاهم، فتحصنوا منه، فحاصرهم ثم أمنهم، فنزلوا عليه. فقال لهم: إني قد استطبت بلادكم، ولا أراني إلا مقيما فيكم. فقالوا له: ليس ذلك لك، إنها مهاجر نبي، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك. فقال لهم: فإني مخلف فيكم من أسرتي، من إذا كان ذلك ساعده ونصره، فخلف حيين تراهم الأوس والخزرج. فلما كثروا بها، كانوا يتناولون أموال اليهود، فكانت اليهود تقول لهم: أما لو بعث محمد لنخرجنكم من ديارنا وأموالنا.