ومن قال (خطيئاته): فجمع، حمله على المعنى. والمعنى الجمع والكثرة، ويدل عليه قوله: (فأولئك أصحاب النار) فأولئك خبر المبتدأ الذي هو (من) في قول من جعله جزاء غير مجزوم، كقوله: (وما بكم من نعمة فمن الله) أو مبتدأ في قول من جعله جزاء مجزوما. وفي كلا الوجهين يراد به (من) في قوله (بلى من كسب سيئة) ومما يدل على أن (من) يراد به الكثرة، فيجوز لذلك أن يجمع خطيئة، لأنها مضافة إلى جمع في المعنى، قوله بعد هذه: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون). ألا ترى أن (الذين) جمع، وهو معادل به، فكذلك المعادل به يكون جمعا مثل ما عودل.
الاعراب: (بلى): جواب لقولهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة).
والفرق بين بلى ونعم: إن بلى جواب النفي، ونعم جواب الإيجاب. قال الفراء: إنما امتنعوا من استعمال نعم في جواب الجحد، لأنه إذا قال لغيره:
ما لك علي شئ، فقال له: نعم، فقد صدقه، وكأنه قال نعم ليس لي عليك شئ. وإذا قال: بلى، فإنما هو رد لكلامه أي: لي عليك شئ. وقوله (هم فيها خالدون): عطف هذه الجملة على الأولى بغير حرف العطف، لأن في الجملة الثانية ذكرا ممن في الأولى، والضمير يربط الكلام الثاني بالأول، كما أن حرف العطف يربطه به مثل قوله: (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) وقال في موضع آخر: (وكانوا يصرون) بالواو وقال: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم)، فحذفت الواو من قوله رابعهم وسادسهم، استغناء عنها بما في الجملة من ذكر ما في الأول، لأن الحرف يدل على الاتصال، وما في الجملة من ذكر ما تقدمها اتصال أيضا، فاستغنى به عنه.
المعنى: رد الله تعالى على اليهود قولهم: (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) فقال: (بلى) أي: ليس الأمر كما قالوا، ولكن (من كسب سيئة) اختلف في السيئة، فقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم: السيئة هاهنا: الشرك. وقال الحسن: هي الكبيرة الموجبة للنار. وقال السدي: هي الذنوب التي أوعد الله عليها النار. والقول الأول يوافق مذهبنا، لأن ما عدا الشرك لا يستحق به الخلود في النار عندنا.