عناية تامة، وصرف جل علمائهم معظم أوقاتهم بحثا فيه، وتدقيقا.
فعلم التفسير هو أجل العلوم قدرا، لأنه الموصل إلى فهم مراد الله من كتابه، ومعرفة أحكام الله في وحيه، وما فرضه على عباده. وهذه الغاية كما لا يخفى هي أشرف الغايات، وأحسن الطرق لنيل السعادات.
وجه الحاجة إليه: أنزل القرآن على النبي العربي، بلسان عربي مبين، فهو عربي الكلام، عربي النظم والأسلوب، ببلاغة عربية. إلا أن لغات العرب مختلفة، فلغة تميم تخالف لغة قريش، ولغة عرب الحجاز تتميز عن لغة أهل اليمن، والقرآن الكريم، وإن نزل بلغة قريش، قوم النبي، وهم أفصح العرب على الإطلاق، إلا أنه تضمن بعض الألفاظ من غير اللغة القرشية، وعليه حمل كثير من المحققين منهم الإمام الطبري، في مقدمة تفسيره الكبير، معنى قوله، عليه الصلاة والتسليم: " نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف " وفي بعض الروايات: " إن القرآن نزل على سبعة أحرف فلا تماروا في القرآن فإن المراء كفر ". حملوه على أن المراد بالأحرف السبعة لغات العرب التي نزل بها القرآن. وقال بعضهم: هم قريش وألفافها. وقال آخر: المراد ألحان العرب في أقوالهم، واختلاف لهجاتهم، فأذن لكل قوم أن يقرأوا بلهجاتهم وألحانهم المعروفة عندهم. وقال آخرون: هي القراءات السبع، وعليه الأكثر.
وكيفما كان تفسير هذا الحديث، فإن القرآن الكريم عربي البيان، وإعجازه وارد في النظم والأسلوب الذي يطلق عليه الشيخ عبد القاهر إمام البيان اسم النظم والصور، والخواص والمزايا والكيفيات، ونحو ذلك. ويحكم قطعا بأن الفصاحة من الأوصاف الراجعة إليها، وأن الفضيلة التي يستحق بها الكلام أن يوصف بالفصاحة والبلاغة والبراعة وما شاكل ذلك، إنما هي فيها، لا في الألفاظ المنطوقة التي هي الأصوات والحروف، ولا في المعاني التي هي الأغراض التي يريد المتكلم إثباتها أو نفيها، وهي مطروحة في الطريق يعرفها كل أحد.
والنظم والصور هي التي استحسن السعد التفتازاني أن يطلق عليها عند البحث في عبارات الشيخ عبد القاهر اسم الألفاظ والمعاني الأول.
ولكن مراتب الكلام تتفاوت في البلاغة بحسب تفاوتها في هذه الألفاظ والمعاني الأول، وإن شئت قل في هذه التراكيب والصور المبنية في الأكثر على المدلولات