يجز أن يعني به إلا الجنس المعروف، وكل ما في القرآن من ذكر الجن مع الإنس يدل عليه وثانيها: قوله تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) فنفى المعصية عنهم نفيا عاما وثالثها: إن إبليس له نسل وذرية، قال الله تعالى (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو). وقال الحسن: إبليس أب الجن، كما أن آدم أب الإنس، وإبليس مخلوق من النار، والملائكة روحانيون خلقوا من الريح في قول بعضهم، ومن النور في قول الحسن، لا يتناسلون ولا يطعمون ولا يشربون.
ورابعها: قوله تعالى: (جاعل الملائكة رسلا) ولا يجوز على رسل الله الكفر، ولا الفسق، ولو جاز عليهم الفسق، لجاز عليه الكذب، وقالوا: إن استثناء الله تعالى إياه منهم، لا يدل على كونه من جملتهم، وإنما استثناه منهم، لأنه كان مأمورا بالسجود معهم، فلما دخل معهم في الأمر، جاز اخراجه بالاستثناء منهم. وقيل أيضا: إن الاستثناء هنا منقطع كقوله تعالى (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن)، وأنشد سيبويه:
والحرب لا يبقى لجا * حمها التخيل، والمراح إلا الفتى الصبار في * النجدات، والفرس الوقاح وكقول النابغة: (وما بالربع من أحد إلا الأواري). ويؤيد هذا القول ما رواه الشيخ أبو جعفر ابن بابويه، رحمه الله، في (كتاب النبوة) بإسناده عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن إبليس أكان من الملائكة أو كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال: لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء، وكان من الجن، وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة ترى أنه منها، وكان الله سبحانه يعلم أنه ليس منها، فلما أمر بالسجود لآدم، كان منه الذي كان وكذا رواه العياشي في تفسيره.
وأما من قال إنه كان من الملائكة، فإنه احتج بأنه لو كان من غير الملائكة، لما كان ملوما بترك السجود، فإن الأمر إنما يتناول الملائكة دون غيرهم، وقد مضى الجواب عن هذا، ويزيده بيانا قوله تعالى: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) فعلمنا أنه من جملة المأمورين بالسجود، وإن لم يكن من جملتهم، وهذا كما إذا قيل أمر أهل البصرة بدخول الجامع، فدخلوا إلا رجلا من أهل الكوفة، فإنه يعلم من هذا أن غير أهل البصرة كان مأمورا بدخول الجامع، غير أن أهل البصرة خصوا بالذكر،