أضله إذا نسبه إلى الضلال، وأكفره: إذا نسبه إلى الكفر. قال الكميت:
فطائفة قد أكفروني بحبكم، * وطائفة قالوا مسئ ومذنب وقد يكون الإضلال بمعنى الإهلاك، والعذاب، والتدمير، ومنه قوله تعالى (إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم) ومنه قوله تعالى: (أئذا ضللنا في الأرض) أي: هلكنا وقوله (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم) أي: لن يبطل، سيهديهم، ويصلح بالهم. فعلى هذا يكون المعنى: إن الله تعالى يهلك ويعذب بالكفر به كثيرا، بأن يضلهم عن الثواب، وطريق الجنة بسببه فيهلكوا، ويهدي إلى الثواب وطريق الجنة بالإيمان به كثيرا، عن أبي علي الجبائي. ويدل على ذلك قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) لأنه لا يخلو من أن يكون أراد به العقوبة على التكذيب كما قلناه (1)، أو يكون أراد به التحيير والتشكيك. فإن أراد الحيرة، فقد ذكر أنه لا يفعل إلا بالفاسق المتحير الشاك، فيجب أن لا تكون الحيرة المتقدمة التي بها صاروا فساقا من فعله، إلا إذا وجدت حيرة قبلها، أيضا. وهذا يوجب وجود ما لا نهاية له من حيرة قبل حيرة، لا إلى أول، أو ثبوت اضلال لا اضلال قبله. وإذا كان ذلك من فعله، فقد أضل من لم يكن فاسقا، وهو خلاف قوله (وما يضل به إلا الفاسقين).
وعلى هذا الوجه فيجوز أن يكون حكم الله تعالى عليهم بالكفر، وبراءته منهم، ولعنته عليهم، إهلاكا لهم، ويكون إهلاكه، إضلالا. وكل ما في القران من الإضلال المنسوب إلى الله تعالى، فهو بمعنى ما ذكرناه من الوجوه. ولا يجوز أن يضاف إلى الله تعالى الإضلال الذي أضافه إلى الشيطان، وإلى فرعون والسامري، بقوله (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) وقوله: (وأضل فرعون قومه) وقوله:
(وأضلهم السامري) وهو أن يكون بمعنى التلبيس، والتغليط، والتشكيك، والإيقاع في الفساد، والضلال، وغير ذلك، مما يؤدي إلى التظليم والتجوير على ما يذهب إليه المجبرة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فصل في حقيقة الهداية والهدى:
وإذ قد ذكرنا أقسام الإضلال، وما يجوز إضافته إلى الله تعالى منها، وما لا