النبي قد نهى عن كتابتها، وكانت صدورهم، هي التي تحملها، ومن أجل ذلك كانوا ينشرونها بالرواية، إما بنفس الألفاظ التي سمعوها من النبي - إن بقيت في أذهانهم وهذا نادر جدا - وإن وقع ذلك ففي بعض الأحاديث القصيرة، أو - بما يؤدي معناها إذا غابت عنهم، وهذا كان غالب أمرهم، ولم يروا حرجا من ذلك " لأن المقصود من الحديث عندهم - كما قالوا - هو المعنى ولا يتعلق في الغالب حكم بالمبنى " بخلاف القرآن فإن لألفاظه مدخلا في الإعجاز، فلا يجوز إبدال لفظ بلفظ آخر، ولو كان مرادفا له خشية النسيان مع طول الزمان، فوجب أن يقيد بالكتابة ولا يكتفى بالحفظ - وإعجازه قائم ولا جرم على تأليف ألفاظه.
قال الإمام الخطابي في كتابه إعجاز القرآن: إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل، ومعنى قائم، ورباط لهما ناظم.
وقال الشيخ أبو بكر بن عقال الصقلي في فوائده على ما رواه ابن بشكوال:
إنما لم يجمع الصحابة سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصحف كما جمعوا القرآن، لأن السنن انتشرت وخفي محفوظها من مدخولها، فوكل أهلها في نقلها إلى حفظهم ولم يوكلوا من القرآن إلى مثل ذلك، وألفاظ السنن غير محروسة من الزيادة والنقصان كما حرس الله كتابه ببديع النظم الذي أعجز الخلق عن الاتيان بمثله، فكانوا في الذي جمعوه من القرآن مجتمعين، وفي حروف السنن ونقل نظم الكلام نصا مختلفين، فلم يصح تدوين ما اختلفوا فيه (1).
وقد ظل الأمر في رواية الحديث على ما ذكرنا، تفعل فيه الذاكرة ما تفعل، لا يكتب ولا يدون طوال عهد الصحابة وصدرا كبيرا من عهد التابعين إلى أن حدث التدوين - على ما قالوا - في آخر عهد التابعين (2) قال الهروي (3):
لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الأحاديث إنما كانوا يؤدونها لفظا ويأخذونها