سماعه من الرسول (1) والعهد يومئذ قريب، والصحابة متوافرون، والمادة لم تنقض بعد...
ثم كان عمر يتثبت في النقل إذ كانت طائفة من الناس قد مردت على النفاق وكانت الحاجة قد اشتدت إلى الرواية - وكان عمر وعثمان وعائشة وجلة من الصحابة يتصفحون الأحاديث، ويكذبون بعض الروايات التي تأتي، ويردونها على أصحابها، ثم خشي عمر أن يتسع الناس في الرواية، فيدخلها الشوب، ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي، فكان يأمرهم أن يقلوا الرواية وكان شديدا على من أكثر منها أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه، لأن المكثر وإن جاء بالصحيح فقد لا يسلم من التحريف أو الزيادة أو النقصان في الرواية، وقد سمعوه (صلى الله عليه وسلم) يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار (2). وعلى هذه الجهة من التوقي والإمساك في الرواية كان كثير من جلة الصحابة وأهل الخاصة بالرسول (صلى الله عليه وسلم) كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.
وكان أكثر الصحابة رواية أبو هريرة وقد صحب ثلاث سنين (3) وعمر بعده (صلى الله عليه وسلم) نحوا من خمسين سنة (4) ولهذا كان عمر وعثمان وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه وهو أول راوية اتهم في الإسلام وكانت عائشة أشدهم إنكارا عليه لتطاول الأيام بها وبه إذ توفيت قبله بسنة...
ثم كانت الفتنة أيام عثمان واضطرب من بعدها حبل الكلام في الخلافة وخاض الناس في ضروب من الشك والحيرة والقلق فكان فيهم من لا يتوقى ولا يتثبت، وألف كثير من الناس أمر هؤلاء فلم يبالوا أن يتبينوا فيرجعوا في الرواية إلى شهادة