كلامنا فيه، وإنما كلامنا في اختلاف الألفاظ التي تعرض من أجل نقل الحديث على المعنى. ووجه الغلط الواقع من هذه الجهة، أن الناس يتفاضلون في صورهم وألوانهم وغير ذلك من أمورهم وأحوالهم، فربما اتفق أن يسمع الراوي الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره، فيتصور معناه في نفسه على غير الجهة التي أرادها، وإذا عبر عن ذلك المعنى الذي تصور في نفسه بألفاظ أخرى، كان قد حدت بخلاف ما سمع من غير قصد منه إلى ذلك - وذلك أن الكلام الواحد قد يحتمل معنيين وثلاثة، وقد تكون فيه اللفظة المشتركة التي تقع على الشئ وضده، كقوله صلى الله عليه وسلم: " قصوا الشارب واعفوا اللحى " ففي مثل هذا يجوز أن يذهب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المعنى الواحد ويذهب الراوي عنه إلى المعنى الآخر، فإذا أدى معنى ما سمع دون لفظه بعينه، كان قد روى عنه ضد ما أراده غير عامد، ولو أدى لفظه بعينه، لأوشك أن يفهم منه الآخر ما لم يفهم الأول، وقد علم (صلى الله عليه وسلم) أن هذا سيعرض بعده فقال محذرا من ذلك: " نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها.
فرب مبلغ أوعى من سامع "...
العلة الثالثة وهي الجهل بالإعراب ومباني كلام العرب ومجازاتها، وذلك أن كثيرا من رواة الحديث قوم جهال باللسان العربي لا يفرقون بين المرفوع والمنصوب والمخفوض. ولعمري لو أن العرب وضعت لكل معنى لفظا يؤدى عنه لا يلتبس بغيره، لكان لهم عذر في ترك تعلم الإعراب، ولم يكن بهم حاجة إليه في معرفة الخطأ من الصواب. ولكن العرب قد تفرق بين المعنيين المتضادين بالحركات فقط، واللفظ واحد - ألا ترى أن الفاعل والمفعول ليس بينهما أكثر من الرفع والنصب - فربما حدث المحدث بالحديث، فرفع لفظة منه ينوي بها أنها فاعلة، ونصب أخرى ينوي بها أنها مفعولة، فنقل عنه السامع ذلك الحديث فرفع ما نصب ونصب ما رفع جهلا منه بما بين الأمرين فانعكس المعنى إلى ضد ما أراده المحدث الأول.