والظاهر من الأقاويل قول الأكثر لأنه حكم على خلاف الأصل فيقتصر على القدر المتيقن ولا يقين فيما سوى جفاف الجميع والروايتان السابقتان الدالتان على الإعادة مع الجفاف لا ظهور لهما في جفاف البعض كما لا يخفى ويؤيده أيضا الروايات السابقة في بحث استيناف الماء للمسح المتضمنة للاخذ من اللحية والحاجب والأشفار واعلم أيضا أن الأصحاب ذكروا إن مراعاة الجفاف إنما هو بالقياس إلى الهواء المعتدل وظاهره أن تعجيل الجفاف في الهواء الحار جدا وكذا تأخيره في الهواء الرطب جدا مما لا يعتد به بل إنما يراعى حكم التوسط لكن المصنف (ره) في الذكرى حكم بأن وجود البلل حسا كاف البتة ولم يضر الجفاف على تقدير اعتدال الهواء وحمل كلام الأصحاب على أن مرادهم من التقييد إخراج طرف الافراط في الحرارة وهو جيد لان الإعادة إنما علقت على الجفاف لا يصدق الجفاف ها هنا لا لغة ولا عرفا والجفاف التقديري لا عبرة به وأنت خبير بأن التقييد لاخراج طرف الافراط فقط أيضا فيه إشكال لان الحكم معلق على الجفاف وقد تحقق في هذا الفرض فالتقدير لا وجه له إلا أن يقال المتبادر منه الجفاف حال اعتدال الهواء وفيه ضعف أو يتمسك بالحرج والاضطرار وهو أيضا ضعيف سيما في بعض الصور نعم يمكن أن يقال إن هذا الحكم على خلاف الأصل فيقتصر على القدر المتيقن ولا يقين فيما سوى الجفاف على تقدير الاعتدال لعدم الاتفاق فيه والروايتان المنقولتان آنفا الدالتان على الإعادة مع الجفاف أحديهما موثقة فلا يصلح للتعويل والأخرى منقولة بطريقين أحدهما ما اشترك فيه التهذيب والكافي وهو ضعيف وثانيهما ما اختص به التهذيب وهو وإن كان صحيحا لكن فيه حسين ابن سعيد عن معاوية بن عمار وهو يختلج الشك فيه من حيث بعد رواية حسين عنه بلا واسطة فهي أيضا مما يضعف الاعتماد عليه خصوصا مع عدم عمل الأصحاب بظاهرها وأما مرسلة الفقيه عن الصادق (عليه السلام) ورواية مالك بن أعين المنقولتان في بحث استيناف الماء للمسح فهما أيضا لا يصلحان للتعويل للارسال والجهالة مع أنهما يختصان بنسيان المسح وإعادة الوضوء مع الجفاف وعنده فحينئذ يجوز أن يكون الإعادة لأجل عدم جواز الاستيناف للمسح لا لبطلان الوضوء بالجفاف فتأمل ثم إن الشهيد الثاني في شرح الارشاد قال والمعتبر من البلل الحسي فلا اعتبار بتقدير الهواء حال كونه مفرط الرطوبة بكونه معتدلا ولا بتقييد بعضهم الهواء بالمعتدل ليخرج طرف الافراط في الحرارة فإن زوال البلل حينئذ مغتفر كما تقدم انتهى ولا يذهب عليك إن ما ذكره من اغتفار زوال البلل حينئذ هو بعينه ما ذكروه من تقييد الهواء بالمعتدل لاخراج طرف الافراط بالحرارة فلا وجه للايراد عليهم أصلا فتدبر وذكر المصنف (ره) أيضا في الذكرى أنه لو أشبع الماء بحيث لو اعتدل لجف لم يضر أيضا وهو أيضا حسن كما ظهر وجهه (ويصح نذر الولاء فيلزم ويبطل الاخلال به الوضوء إن جف وإلا ففيه وجهان ويكفر أن تعين) المراد بالولاء المتابعة بدون فصل واعلم إن أنذر الولاء يحتمل وجهين الأول أن ينذر أن يتابع بين أعضاء الوضوء الواجبي أو الندبي إن فعله الثاني أن ينذر الاتيان بوضوء يوالي فيه ولا خفاء في صحة النذر بالوجهين أما على تقدير عدم وجوب الموالاة فمطلقا لما فيه من المسارعة إلى الطاعة وأما على وجوبها فعلى القول بصحة نذر الواجبات وأما لو أخل بالولاء فهل يبطل الوضوء بدون الجفاف أم لا ففيه وجهان نظرا إلى أن المعتبر في صحة الفعل حاله الذي اقتضاه النذر أم أصله وتحقيق المقام أن يقال إن النذر إن كان بالنحو الأول فلو توضأ بالوضوء الذي نذر أن يوالي فيه ولم يوال فالظاهر صحته لان النذر المذكور لم يقيد الامر المطلق به كما هو الظاهر فيتحقق الامتثال نعم لم يأت بما نذره فإن كان مضيقا وفات وقته لزم الكفارة وإلا فلا بل إنما يلزم الاتيان به في وقت آخر في وضوء آخر وإن كان بالنحو الثاني فإن أتى بوضوء بدون الولاء فإن قصد به المنذور فلا خفاء في عدم أجزائه عنه فحينئذ ان كان في ذمته وضوء آخر واجب أو مندوب فلا يخلو أما إن قصده أيضا أو لا فإن قصده فإنما يجزي عنه البتة وإن لم يقصده فأجزائه عنه وعدمه بناء على وجوب قصد التكليف بخصوصه في الامتثال وعدمه فعلى الأول الثاني وعلى الثاني الأول ثم هذا النذر إن كان مضيقا فيلزم الكفارة وإلا فلا وإن لم يقصد به المنذور فالامر واضح (والمباشرة بنفسه مع الاختيار وعد ابن الجنيد ذلك ندبا باطل) المراد بالمباشرة بنفسه صب الماء على أعضاء الغسل والمسح بنفسه فأما صب الماء على اليد ليصيب على العضو الاخر فليس بمراد ظاهرا لأنه ليس من أفعال الوضوء واعلم إن وجوب المباشرة بنفسه مع الاختيار قد ادعى العلامة في المنتهى الاجماع عليه وقال المحقق أيضا في المعتبر هذا مذهب الأصحاب وقال المرتضى في الانتصار أنه انفرد به الإمامية ونقل عن ابن الجنيد أنه قال يستحب أن لا يشرك الانسان في وضوءه غيره بأن يوضيه أو يعينه عليه وهذا القول ضعيف أما أولا فلدعوى الاجماع على خلافه وأما ثانيا فلان الأوامر الواردة بالوضوء إنما يتبادر منها توضي المكلف بنفسه لان إسناد الفعل إلى فاعله هو الحقيقة ثم أنه لا خفاء في بطلان الوضوء بدون المباشرة وأما إنه هل يحرم ذلك أم لا ظاهر المعتبر والمنتهى الاجماع على عدم الجواز لكن الظاهر عدم حصول الظن بأمثال هذه العبارات في مثل هذا الموضع إذ كثيرا ما يستعملون في عدم الاجزاء عدم الجواز ويشتبه أحدهما بالآخر جدا إلا أن يقال ببدعية العبادات على النحو الغير المتلقى من الشارع وإن كل بدعة حرام وكلاهما لا يخلو من إشكال أو يقال بدخوله تحت إبطال العبادة وأنه منهي عنه وفيه أيضا خفاء ويمكن أن يستدل عليه بما رواه التهذيب في زيادات صفة الوضوء عن الحسن بن علي الوشا قال دخلت على الرضا عليه السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه إلى الصلاة فدنوت لأصب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له تنهاني إن أصب على يدك تكره أن أوجر فقال تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت له وكيف ذلك فقال ما سمعت الله يقول فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد وهذه الرواية في الكافي أيضا في باب النوادر قبل أبواب الحيض ووجه الاستدلال إن الوزر ظاهره الاثم لكنه لما كان سند الرواية لم يظهر صحته ويمكن أيضا حمل الوزر على الكراهة سيما مع قرينة لفظة فأكره مع أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فلم يصلح للتعويل عليها في الحرمة فإن قلت ما معنى قوله عليه السلام تؤجر أنت وأوزر أنا لأنه إذا حصل الوزر له كيف يحصل الاجر للراوي لان معاونة الاثم إثم ومعاونة المكروه مكروه قلت كان مراده عليه السلام إنه لما كان الراوي يظن أنه إعانة على البر فهو إنما يثاب بظنه بظنه لو لم
(١٣٠)