وقد استقصينا الكلام في القياس وفرعناه وبسطناه وانتهينا فيه إلى أبعد الغايات في جواب مسائل وردت من أهل الموصل متقدمة، أظنها في سنة نيف وثمانين وثلاثمائة، فمن وقف عليها استفاد منها جميع ما يحتاج إليه في هذا الباب.
وإذا صح ما ذكرناه فلا بد لنا فيما نثبته من الأحكام فيما نذهب إليه من ضروب العبادات من طريق توجب العلم وتقتضي اليقين، وطرق العلم في الشرعيات هي الأقوال التي قد قطع الدليل على صحتها، وأمن العقل من وقوعها على شئ من جهات القبح كلها، كقوله تعالى وكقول رسول صلى الله عليه وآله والأئمة الذين يجرون مجراه عليهم السلام. ولا بد لنا من طريق إلى إضافة الخطاب إلى الله تعالى إذا كان خطابا له، وكذلك في اضافته إلى الرسول أو الأئمة عليهم السلام.
وقد سلك قوم في إضافة خطابه إليه طرقا غير مرضية، فأصحها وأبعدها من الشبهة أن يشهد الرسول المؤيد بالمعجزات في بعض الكلام أنه كلام الله تعالى فيعلم بشهادته أنه كلامه، كما فعل نبينا صلى الله عليه وآله في القرآن، فعلمنا بإضافته إلى ربه أنه كلامه، فصار جميع القرآن دالا على الأحكام وطريقا إلى العلم.
فأما الطريق إلى معرفة كون الخطاب مضافا إلى الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فهو المشافهة والمشاهدة لمن حاضره وعاصرهم فأما من نأى عنهم أو وجد بعدهم، فالخبر المتواتر المفضي إلى العلم المزيل للشك والريب.