فإن قيل: هذا دفع للعيان، لأنا نرى اليهود والنصارى يتقربون (1) إلى الله تعالى بكثير من العبادات ويتصدقون لوجه الله عز وجل، ويفعلون في كثير من أبواب البر مثل ما يفعله المؤمن، ولو لم يكن في ذلك إلا أنهم عارفون بالله عز وجل وبنبوة أنبيائه.
قلنا: ليس فيما تنكروه (2) من وقوع الطاعات من الكفار دفع للعيان، وأنى عيان يدخل في كون الطاعة طاعة. والوجه الذي يقع عليه الطاعة فيكون طاعة، مستور عن الخلق لا يعلمه إلا علام الغيوب جلت عظمته، وأكثر ما يمكن أن يدعى وقوع ما أظهره الطاعة من الكفار، فأما القطع على أن ذلك طاعة وقربة على الحقيقة فلا طريق إليه.
وإذا دل الدليل الذي تقدم ذكره على أن الطاعات لا يقع منهم، قطعنا على أن ما ظاهره الطاعة ليس بطاعة على الحقيقة، لأن الطاعة تفتقر إلى قصود ووجوه لا يطلع العباد عليها.
فأما معرفة الكفار بالله تعالى وبأنبيائه، فالقول فيها كالقول في الطاعات، والصحيح أنهم غير عارفين، وكيف يكونون عارفين؟ والمعرفة بالله تعالى ورسله عليهم السلام مستحق عليها أجزل الثواب والمدح والتعظيم، والكافر لا يستحق شيئا من ذلك.
ولا معول على قول من يقول: فقد نظروا في الأدلة التي تولد المعرفة المفضية إلى العلم، فكيف لا يكونون عارفين والنظر في الأدلة يولد المعرفة؟
وذلك أنا أولا لا نعلم أنهم نظروا في الأدلة، لأن ذلك مما لا نعلم ضرورة، ثم إذا علمناه فلا نعلم أنهم نظروا فيها من الوجه الذي يفضي إلى العلم، ثم