ألا ترى أن أفعاله في العباد التي لا شبهة فيها، ولا يتبع إرادتهم، ولا يقع بحسب تصورهم.
هذا إن أريد بالخلق هاهنا الإحداث والانشاء على بعض الوجوه. وإن أريد بالخلق التقدير الذي لا يتبع الفعلية، جاز القول بأن أفعال العباد مخلوقة لله عز وجل، فكل بمعنى أنه مقدر لها مرتب لجميعها.
ألا ترى أن أهل اللغة يسمون مقدر الأديم خالقا له وإن كان الأدم من فعل غيره.
قال الشاعر:
ولأنت تعري (3) ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يعتري وقال الآخر:
ولا تبط بأيدي ولا أيدي الخير إلا جيد الأدم هذا جواب لمن يسأل عن أفعال العباد هل يكون مخلوقة لله تعالى أم لا؟
فأما من سأل هل هي مخلوقة للعباد أم لا؟ فجوابه: أن الصحيح كون العباد خالقين لأفعالهم المقصودة المجرى بها إلى الأغراض الصحيحة، هو (4) مذهب أكثر أهل العلم.
وخالف أبو القاسم البلخي في ذلك، وإن كان موافقا على أن العباد يحدثون وينشئون ويخترعون. وليس يمتنع أن يوصفوا بأنهم خالقون لأفعالهم، لأن الخلق إن كان معناه إيقاع الفعل مقدرا أو مقصودا، فهذا المعنى قائم بين العباد وأفعالهم، ولا معنى للامتناع لا (5) العبارة مع ثبوت معناها.