الشئ يعطف على نفسه، ولا يكون سببا في نفسه، ومحال أن يقال: عصى فعصى. ولا بد من أن يراد بما عطف بالفاء غير معنى الأول.
والخيبة هي حرمان الثواب بالمعصية التي هي ترك المندوب وسبب فيها، فجاز أن يعطف عليها. والغي الذي هو الفعل القبيح، لا يجوز عطفه على المعصية ولا أن يكون سببا فيه.
فإن قالوا: ما المانع من أن يريد بعصي أي لم يفعل الواجب من الكف عن الشجرة، والواجب يستحق بالاخلال به حرمان الثواب، كالفعل المندوب إليه، فكيف رجحتم ما ذهبتم إليه على ما ذهبنا نحن إليه؟
قلنا: الترجيح لقولنا ظاهر، إذ الظاهر من قوله تعالى (عصى فغوى) أن الذي دخلته الفاء جزاء على المعصية، وأنه كل الجزاء المستحق بالمعصية، لأن الظاهر من قول القائل: سرق فقطع، وقذف فجلد ثمانين. أن ذلك جميع الجزاء لا بعضه.
وكذا إذا قال القائل: من دخل داري فله درهم. حملناه على أن الظاهر يقتضي أن الدرهم جميع جزائه، ولا يستحق بالدخول سواه.
ومن لم يفعل الواجب استحق الذم والعقاب وحرمان الثواب، ومن لم يفعل المندوب إليه فهو غير مستحق لشئ كان تركه للندب سببا تاما فيه إلا حرمان الثواب فقط.
وبينا أن من لم يفعل الواجب ليس كذلك، وإذا كان الظاهر يقتضي أن ما دخلته الفاء جميع الجزاء على ذلك السبب لم يلق إلا بما قلناه دون ما ذهبوا إليه، وهذا واضح لمن تدبره.