وقد بينا أن أهل اللغة قد سمعوا العبد خالقا بصريح القول، ولمن كان غيره لا يستحق هذا الوصف أن يشنع أن يقول: أكرم الآلهة أو أحسن.
وإنما استنكر أبو القاسم البلخي إطلاق القول بأن الإنسان خالق ظنا منه أن ذلك أدخل في تعظيم الله عز وجل وتمييزه عما يجري من الأوصاف على عباده. وليس الأمر على ما ظنه، لما بيناه من إطلاق هذا الوصف على العباد في القرآن واستعمال أهل اللغة.
وما توهمه البلخي في التمييز والتخصيص له تعالى. ينتقض بوصفه، بلا خلاف بينه وبين العبد بأنه محدث منشئ مخترع، كما يصف الله تعالى بذلك، وإن كان في الاشتراك في الوصف بالخلق نقص وإبطال للتعظيم والمزية، ففي الاشتراك بالوصف بالانشاء والاختراع مثل ذلك.
وما يعتذر به البلخي في الاختراع والانشاء إلى المجبرة، يعتذر إليه بمثله في الخلق.
فأما ما روي عن الصادق عليه السلام في أن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين. والمراد (1) بأنها مخلوقة لله تعالى على وجه التقدير كالتكوين (2).
فلم يرد (3) عليها أنها مخلوقة للعباد على أحد الوجهين لا الآخر، لأنه عليه السلام لو أراد ذلك لم يكن صحيحا، لأن أفعال العباد مخلوقة لهم خلق تقدير وتكوين معا بل المكون (4) لفعل العبد سواه.