ولهذا قالوا: إذا كان البداء لا يجوز عليه (1) لم يجز أيضا عليه ما يدل على البداء، أو يقتضيه من النهي عن نفس ما أمر به على وجهه في وقته، والمأمور والمنهي واحد.
وقد وردت أخبار آحاد لا توجب علما، ولا تقتضي قطعا، بإضافة البداء إلى الله تعالى، وحملوها محققوا أصحابنا على أن المراد بلفظة البداء فيها النسخ للشرائع، ولا خلاف بين العلماء في جواز النسخ للشرائع.
وبقي أن نبين هل لفظة (البداء) إذا حملت على معنى النسخ حقيقة أو مستعارة؟ ويمكن أن ينص أنها حقيقة في النسخ غير المستعارة، لأن البداء إذا كان في اللغة العربية اسما للظهور.
وإذا سمينا من ظهر له من المعلومات ما لم يكن ظاهرا، حتى اقتضى ذلك أن يأمر بنفس ما نهى عنه، أو ينهي عن نفس ما أمر به، أنه قد بدا، لم يمتنع أن يسمي الأمر بعد النهي والحظر بعد الإباحة على سبيل التدريج، فإنه بداء له، لأنه ظهر من الأمر ما لم يكن ظاهرا، وبدا ما لم يكن بائنا، بمعنى البداء الذي هو الظهور والبروز حاصل (2) في الأمرين.
فما المانع على نفص الاستنفات (3) أن يسمي الأمرين بداء، لأن فيهما معا ظهور أمر لم يكن ظاهرا.
فإن قيل: هذا إنما يسوغ إذا أطلق لفظة (البداء) ولم تضف، فأما إذا أضيفت وقيل: (بدا له في كذا) فلا يليق إلا بما ذكرناه دون ما خرجتموه، لأن اطلاع من أمر بعد نهي، أو نهي بعد أمر على أمر ما كان مطلقا خصه، فلا يتعدى