وادعاء القوم أن ذلك يدل على فضل الملائكة على الأنبياء، لأنه أخر ذكرهم، ولا يجوز أن يؤخر في مثل هذا الكلام إلا الفاضل دون المفضول.
ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول القائل: ما يأنف الأمير من كذا وكذا ولا الحارس، وإنما يجوز أن يقول: ما يأنف من كذا وكذا المفضول، ثم يعقب بذكر الفاضل مثل أن يقول: ما يأنف من لقاء زيد الوزير ولا الأمير.
وهذا من ركيك الشبه، لأنه يجوز أن يكون الله تعالى خاطب بهذا الكلام فيمن (1) كانوا يعتقدون فضل الملائكة على الأنبياء مرتبة على حسب اعتقادهم، لا على ما يقتضيه أحوال المذكورين.
وجرى ذلك مجرى أن يقول أحدنا لغيره: ما يأنف أبي من كذا ولا أبوك.
وإن كان القائل يعتقد فضل أبيه على أب المخاطب.
ويمكن في هذه الآية وجه آخر، وهو أنا نسلم أن جميع الملائكة أفضل ثوابا من المسيح، وإن كان المسيح أكثر ثوابا من كل واحد منهم، وهو موضع الخلاف. لأنا لا نمنع من أن يكون الملائكة أكثر ثوابا من كل وأحد منهم، وأنه كان كل نبي أكثر ثوابا من كل ملك.
ومما يجوز أن يقال في هذه أيضا: إن تأخير الذكر لا يحسن مع تفاوت الفضل وتباعده، فأما مع التقارب والتساوي فهو حسن جائز، ولهذا يحسن أن يقول القائل ما يأنف من لقائي والركوب إلى زيد ولا عمرو وهو دون زيد في الفضل بيسير غير معتد به. وإنما يقبح ذلك مع التفاوت بين الحارس والأمير.
وليس بين الملائكة والأنبياء من الفضل ما يظهر فيه التفاوت الذي لا يليق بتأخر ذكرهم.