لقد جل هذا المال إذا وعظم عنده قدره ونافس عليه منافسة أبناء الدنيا الذين لها يعملون وللمال يكدحون وإنما كان زكريا بن آذن نجارا وكان حبرا كذلك قال وهب بن منبه وكلا هذين الامرين يدل على أنه لا مال له وكذلك المشهور عن يحيى وعيسى عليهما السلام أنه لم يكن لهم أموال ولا منازل يأويان إليها وإنما كانا سياحين في الأرض ومن الدليل أيضا على أن يحيى لم يرثه مالا أن يحيى عليه السلام دخل بيت المقدس وهو غلام صغير فكان يخدم فيه ثم اشتد خوفه فساح ولزم أطراف الجبال وغيران الشعاب قال أبو محمد وبلغني عن الليث بن سعد عن بن لهيعة عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال دخل يحيى بن زكريا بيت المقدس وهو بن ثماني حجج فنظر إلى عباد بيت المقدس قد لبسوا من مدارع الشعر وبرانس الصوف ونظر إلى متهجديهم قد خرقوا التراقي وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى حنايا بيت المقدس فهاله ذلك ورجع إلى أبويه فمر بصبيان يلعبون فقالوا يا يحيى هلم فلنلعب قال إني لم أخلق للعب فذلك قوله تعالى وآتيناه الحكم صبيا فأتى أبويه فسألهما أن يدرعاه الشعر ففعلا ثم رجع إلى بيت المقدس فكان يخدم فيه نهارا ويسبح فيه ليلا حتى أتت له خمس عشرة حجة وأتاه الخوف فساح ولزم أطراف الأرض وغيران الشعاب
(٢٨٠)