وعن بعض العلماء: " ما ستر الله على أحد يكذب في الحديث ". (1) وقد صنف فرق من الناقدين في الأحاديث الموضوعة كتبا عديدة، منها الدر الملتقط في تبيين الغلط (2) للشيخ الفاضل الحسن بن محمد الصغاني، وهو أحسنها وأمتنها. (3) ودونه في الجودة كتاب أبي الفرج ابن الجوزي، ففيه كثير من الأحاديث قد ادعى وضعها، ولا دليل على كونها موضوعة، بل إلحاق بعض منها بالضعيف أولى، وطائفة جمة منها قد تلحق بالصحيح والحسن عند أهل النقد. (4) وسائر المدونات في هذا الباب أبعد عن الحق نمطا، وأشد في الإعتياب (5) شططا.
فأما كتاب الصغاني (6) فلمراعاة جهة الاحتياط ألزم، وإلى التزام سمت الإنصاف أقرب، مع أن فيه أيضا اعتسافا في القول وانصرافا عن السمت، وأيضا في الحديث أحاديث يحكم عليها أنها من الموضوعات على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولكنها ليست من مختلقات الواضعين، بل هي أحاديث الأوصياء المنتجبين، أصحاب العصمة والطهارة صلوات الله عليهم، ولها من طريق الأصحاب إليهم طرق مضبوطة.
وبالجملة: لا يحمل أعباء هذا الخطب إلا الناقد المتثقف المتيقظ المتمهر المتبصر.