والحديث القدسي كلام يوحى إلى النبي معناه فيجري الله على لسانه في العبارة عنه ألفاظا مخصوصة في ترتيب مخصوص، ليس للنبي أن يبدلها ألفاظا غيرها، أو ترتيبا غيره.
والحديث النبوي كلام معناه مما يوحى إلى النبي فيعبر عنه ب: " حيث يشاء " " كيف يشاء ".
وسر الأمر أن النفس النقية الطاهرة الإنسانية، إذا ما كانت بالغة نصاب الكمال بحسب قوتها القدسية؛ - لصفاء جوهرها وقلة التفاتها إلى الأمور الحسانية الجاذبة إياها إلى الجنبة السافلة، وشدة اتصالها بالمبادئ العالية المنتقشة بحقائق المعقولات وصور الكائنات، ماضيها وغابرها وآتيها وحاضرها - تكون بحيث تستنير بأضوائها، وتنطبع بما فيها كمرآة مجلوة حوذي بها شطر الشمس، فيحصل لها ما يمكن للنوع دفعة أو قريبا من دفعة؛ إذ لا بخل في صقع الرشح والإفاضة، ولا احتجاب في معدن النور والرحمة. وإنما المانع انجذاب القوابل إلى عالم الطبيعة وانغماسها في الشواغل عن عالم العقل. وقد ارتفعت الغواسق من جهة المستضيء القابل، فالقوة المتخيلة أيضا تكون حينئذ طائعة للقوة العاقلة، مشايعة إياها في الصعود إلى معارج القدس، فتكون بحيث تتمثل لها العقول المجردة - ولا سيما روح القدس - صورا بشرية وأشباحا إنسانية يخاطبونها ويسمعونها كلاما منظوما محفوظا، كما [أن] القوة المحركة تصير بحيث تطيعها هيولى أسطقسات العناصر طاعة البدن للنفس، فتتصرف فيها تصرفها فيه. فإذن كما [أن] النائم ومن يجري مجراه في بطلان استيلاء الحواس وسلطانها عليه، وامحاق إنغساقه بها وانغماره فيها قد يشاهد صورا عجيبة، ويسمع ألحانا غريبة ليست هي بمعدومة صرفة ولا بموجودة في الخارج، بل ملقاة في قوته المتخيلة وحسه المشترك، لا مؤداة إليهما من طرق الحواس الظاهرة، بل من سبيل الباطن ومن عالم آخر.
فكذلك الإنسان المتأله المتقدس إذا كان ذا نفس شريفة الجوهر، شديدة