مقدوره لتعلق الإرادة به، فكانت ذاته مستكملة بذلك المرجح؛ لحصول أولوية لها بسببه، وإلا لم يفعل به، وكل مستكمل بغيره ناقص في ذاته، والله منزه عن النقصان.
وأيضا إذا كانت المشية زائدة عليه، يلزم في ذاته تعالى جهتا قوة وفعل، وحيث إمكان ووجوب، فلم يكن واحدا حقا.
وأشار إلى نفي الزيادة بقوله: (متوحدا بذلك؛ لإظهار حكمته، وحقيقة ربوبيته).
يعني خلق ما شاء حال كونه وحدانيا ذاتا وصفة؛ إذ لم يخلق إلا لإظهار علمه بالنظام الأكمل الذي هو حقيقة إلهيته وربوبيته لا لغاية أخرى وداع آخر يدعوه إلى الخلق والإيجاد.
قوله: (متوحدا بذلك؛ لإظهار حكمته، وحقيقة ربوبيته).
فهو سبحانه بصرف كنه ذاته الأحدية الحقة هو الجاعل التام للنظام الجملي، الفاضل المنبعث عن نفس مرتبة ذات الجاعل المفيض كل ذات وكل كمال ذات، والمعطي كل وجود وكل كمال وجود.
وبما أن كنه ذاته هو بعينه علمه التام بالنظام الأتم الأكمل، فهو بنفس مرتبة ذاته الغاية والعلة الغائية الكمالية للنظام، وغاية الغايات، والغاية الأخيرة، والعلة الغائية الأولى الحقيقية لكل ذات ووجود من الذوات والوجودات التي هي أجزاء النظام، وسوف نراك في ذلك كله على استبصار إن شاء الله العزيز العليم.
قوله: (لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار).
الإدراك على ثلاثة أقسام؛ لأنه عبارة عن حضور شيء عند المدارك، وهو إما جسماني، أو مفارق عن الأجسام. والمفارق إما مفارق بالكلية عنها، أو متعلق بها مضاف إليها.
فالأول: هو المحسوس، وإدراكه بالحس، وأقوى أقسامه وأجلاها هو البصر.
والثاني: هو المعقول، وإدراكه بالعقل.
والثالث: هو الموهوم، وإدراكه بالوهم.