الراشحة الحادية والثلاثون [في اشتراط العدد في المزكي والجارح وعدمه في الرواية] ذهب أكثر العلماء في علم الأصول من العامة والخاصة إلى عدم اشتراط العدد في المزكي والجارح في الرواية دون الشهادة. أي إن الجرح والتعديل كليهما يثبت بقول العدل الواحد في الرواية، ولا يثبت شيء منهما به في الشهادة.
وقال آخرون بعدم الفرق، فقال فريق منهم: لا يثبت بالواحد، بل يجب الاثنان فيهما جميعا. وفريق آخر قال: كلاهما يثبت بالواحد فيهما جميعا. والحق ما عليه الأكثر.
والضابط الذي عليه التعويل في بيان الفرق أن الرواية يكون مقتضاها شرعا عاما، وسنة كلية في حق بني نوع الإنسان قاطبة، وخصوصيات الأشخاص والأزمان تكون ملغاة في ذلك على خلاف شاكلة الأمر في الشهادة؛ إذ مقتضاها قضاء خاص وحكم جزئي بالقياس إلى أشخاص بأعيانهم وأزمنة بأعيانها.
ولما كان بناء أساس الشرع السوي العام، والسنة العادلة الكلية في حق جميع الناس على تحصيل المصلحة المظنونة واستدفاع المفسدة المظنونة بحسب نظام حال نوع المكلفين مع عزل النظر عن خصوصيات الآحاد والأوقات، كان الظن وما يقتضيه واجب الاعتبار هناك لا محالة، فكان يجب العمل برواية العدل الواحد وإخبار العدل الواحد في الجرح والتعديل لحصول الظن المعتبر بذلك.
فأما الشهادة، فحيث إن مقتضاها يتعلق بجزئيات الحقوق المتنازع فيها، وخصوصيات الأشخاص المتشاجرين عليها كان فيها مزيد احتياج إلى الاستظهار وتأكد الظن، فلذلك احتيج إلى اعتبار التعدد في الشاهد ومزكيه، على خلاف الأمر في الراوي ومزكيه.
ثم إنهم استدلوا على ذلك تارة بأن التعديل شرط لقبول الرواية، فلا يزيد على