الراشحة الثانية [في تعريف الحديث الصحيح] العلماء الجمهورية العامية - كابن الصلاح، (1) والنواوي، وابن جماعة، والطيبي (2) وغيرهم - اعتبروا في حد الصحيح سلامته عن الشذوذ والعلة، وكونه مروي من يكون مع العدالة ضابطا.
وأصحابنا - رضوان الله عليهم - أسقطوا ذلك عن درجة الاعتبار، وهو الحق؛ لأنهم يفسرون الشذوذ بكون الذي يرويه الثقة مخالفا لمروي الناس، وذلك حال المتن بحسب نفسه. وقد دريت أن موضوع البحث هاهنا حاله بحسب طريقه لا بحسب نفسه، والعلة بأسباب خفية غامضة قادحة يستخرجها الماهر في الفن، وهي أيضا إن كانت متعلقة بنفس جوهر المتن، فخارجة عن الموضوع، وإن كانت متعلقة بالسند كالإرسال أو القطع مثلا فيما ظاهره الاتصال، أو الجرح فيمن ظاهر الأمر فيه التعديل - من دون أن يكون الاستخراج منتهيا إلى حد معرفة جازمة عن حجة قاطعة، بل بالاستناد إلى قرائن ينبعث عنها ظن، أو يترتب عليها تردد وشك - فإن كانت قوية يتقوى بها ظن القدح، فقيدا الاتصال والعدالة يجديان في الاحتراز عنها، وإلا فليست بضائرة في الصحة المستندة إلى أسبابها الحاصلة.
وأما الضبط - وهو كون الراوي متحفظا متيقظا، غير مغفل ولا ساه ولا شاك في حالتي التحمل والأداء - فمضمن في الثقة، وهم يتوسعون في العدل بحيث يشمل المخالف ما لم يبلغ خلافه حد الكفر، والمبتدع ما لم يكن يروي ما يقوي بدعته، ويكتفون في العدالة بعدم ظهور الفسق، والبناء على ظاهر حال المسلم على خلاف الأمر عندنا فلذلك اتسعت عندهم دائرة الصحة، وصارت الحسان والموثقات