أجزائه بالأسر، ولا يعقل للجملة المفروضة (1) - لاعتبار الجملية والهيئة المجموعية - صدور إلا بصدور الأجزاء بالأسر، من دون صدور آخر مستأنف وراء ذلك، وأفضل المجعولات أقرب في المرتبة من الجاعل المبدع، فلا محالة كان أكرم المبدعات من أجزاء النظام هو المتعين بأن يكون الصادر الأول في مرتبة الصدور من غير توسط أمر من الأمور، وعلة من العلل أصلا، فضلا عن المادة.
ومن لا يستطيع سبيلا إلى تعرف الحقيقة، يتوهم أن المراد بهذه العلة المنفية العلة المادية، ولا يشعر أن المستعمل ب " اللام " أو " الباء " لا يكون إلا العلة الفاعلية وما من حزبها، والعلة الغائية وما في سبيلها. وأما المادة والعلة المادية والاسطقسية، فإنما يسند الشيء إليها ب " من " أو " عن ".
ثم ليعلم أن الشيء الحادث الكياني الذات وإن كان هو مسبوق الوجود لا محالة بالمادة مسبوقية بالزمان، إلا أن ذلك ليس إلا بقياس أحدهما إلى الآخر بحسب نفسهما، لا بالقياس إلى ذات الصانع الحق جل سلطانه، حتى يكون المادة متوسطة بالزمان بين ذاته سبحانه وبين ذي المادة، وذو المادة أشد تأخرا في الوجود من المادة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا؛ ولعلك سوف تتحقق ذلك بما نتلوه على سمعك من ذي قبل (2) إن شاء الله العزيز.
قوله: (خلق ما شاء كيف شاء).
لما نفى الغاية عن فعله، توهم أنه ليس فاعلا بالاختيار، فأزاح ذلك بأنه يفعل الأشياء كما شاء، فيكون بمشيته - أي بإرادته - يفعل الخلق، لكن مشيته كقدرته ليست غير ذاته؛ ليلزم أن يكون لغيره تأثير في فعله؛ فإن من فعل فعله بإرادة زائدة على ذاته، كان محتاجا في قدرته وإرادته إلى مرجح زائد عليه يرجح أحد طرفي