وإما بالكاف بمعنى التمصمص بالمهملتين، ومعناه الاغتسال من الدنس للتنظف والتطهر، كغسل الجمعة وسائر الأغسال المسنونة للنظافة لا لرفع الحدث، وأصله من مصمص إناءه: إذا غسله وجعل فيه الماء وحركه للتنظيف.
وفي الحديث: " القتل في سبيل الله ممصمصة ". (1) أي مطهرة من دنس الخطايا، افتعالا من السوك. واستياك الشيء وتسويكه: دلكه وتحريكه، وتساوكت الإبل: إذا اضطربت أعناقها من الهزال، فهي تتمايل من ضعفها، وجاءت الإبل ما تساوك (2) هزالا أي ما تتحرك رؤوسها. فهذا سبيل التحصيل في تحقيق هذه اللفظة وتفسيرها.
وإن جماهير المتكلفين القاصرين من بني زمننا هذا تجشموا تكلفا متوعرا جدا فأخذوها من السواك، وذلك معروف كالتسوك، يقال: استاك وتسوك: إذا ساك فاه بالمسواك. ثم جعلوا الاستياك هذا بمعنى التمضمض - بالمعجمتين - أي المضمضة في الوضوء لمناسبة السواك؛ إذ كما السواك من مسنونات الوضوء، فكذلك المضمضة والاستنشاق من مسنوناته. ولعمري إن هذه أعجوبة من الأعاجيب، فأين الثكلى على واحدتها حتى تضحك منها وتلتهي بذلك عن فجيعة رزيتها؟
ومنها أوردت في كتاب شرح التقدمة رواية عبد الله بن مسعود قال النبي (صلى الله عليه وسلم):
يا ابن مسعود إنه قد نزلت علي آية (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة (3)). وأنا مستودعكها ومسم لك خاصة الظلمة، فكن لما أقول لك واعيا، وعني له مؤديا، من ظلم عليا مجلسي هذا، كان كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي.
قال له الراوي: يا أبا عبد الرحمن! أسمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم، قال، قلت: كيف وآتيت الظالمين؟ قال: لاجرم جليت عقوبة عملي وذلك أني لم استأذن إمامي كما استأذنه جندب وعمار وسلمان، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.