غنائه لذاته عن خليقته وأن يبعث رسلا من نوابه وأنبيائه وخاصته ولم يكن بنو آدم في مقام أن يبلغ حالهم إلى هذا المقام من كرامة ثم بلغ الامر بين الله جل جلاله القادر القاهر مالك الأوائل والأواخر وبين بني آدم الضعفاء والأذلاء الأصاغر الذين انتظم حال وجودهم من تراب وروح كالهواء إلى أن بنا لهم الدنيا قبل معرفتهم به وخدمتهم له وفيها ما هم إليه محتاجون وما أتعبهم في بنائها وإنشائها ولا كانوا ممن يقدرون، فلا يعترفون ولا يشكرون حتى كأنهم البانون لها والفاطرون ثم يحسن ويسيئون ويقبل فيعرضون ويعدهم فلا يتقون ويتقرب إليهم فيتباعدون ويتحبب إليهم فيكرهون ويؤدي الأمانات إليهم فيخونون ويصفو معهم فيتكدرون ويستر عليهم فيجاهرون ويطلع عليهم فلا يستحيون ويتهددهم فلا يخافون ويطلبهم عدوهم فيسارعون ويسئلهم أن يسكنوه في قلوبهم التي هي من جملة ما وهبهم فلا يفعلون ويبذل أجرى السكنى أولا وحاضرا ومستقبلا فلا يقبلون ويطلب منهم بعض ما أعطاهم ليدخرها لهم فلا يجيبون وفرض عليهم ما ينفعهم فيعرضون ويريهم الآيات في أنفسهم وفي الآفاق فلا يبصرون ويوثقهم من دار قد عمرها لهم كاملة الصفاء دائمة البقاء ويريد انتقالهم إليها فلا يوافقون ولو أعطيهم غيره من بني آدم بعض ما في يده شكروه أكثر من شكرهم لمولاهم ولو أعرض عنهم سلطان بلدهم تلافوه وتداركوا غضبه بغاية قواهم ولو صاحبهم صديق نافسوا في حسن صحبته أكثر من صحبة الله جل جلاله وموافقته ولو ستر عليهم أحد عورة وجدوا عندهم من الاعتراف أكثر ما يجدون لستر الله جل جلاله ولو اطلع عليهم بعض مماليك
(٣٠)