لم نشكك وجميع من رآها أنها قد قضت نحبها. قال: فجهزت بفاخر ثيابها وجهزت مثل ذلك وحملنا في نعش واحد وركب الملك وأهل مملكته فشيعونا حتى وافوا بنا شفير البئر ثم شدوا أسافل السرير بالحبال وجعلوا معنا في النعش طعاما وشرابا لثلاثة أيام، ثم دلونا حتى صرنا إلى قرار البئر ثم أرخيت علينا الحبال فسقط حبل منها على وجه الجارية فأزال ما أصابها من الغشى فانتبهت، فلما أفاقت رأيت أنا الدنيا قد جمعت لي واستمرت عيني على الظلمة فرأيت في الموضع الذي أنا فيه من الخبز اليابس ماله دهر كثير فأخذت أغتذي وأغذيها في تلك البئر وكنا لا نعدم في كل يوم أن يدلى سرير فيه زوجان، أحدهما حي والآخر ميت فكان النازل إذ كان رجلا حيا توليت قتله لئلا يكون معي ومع امرأتي رجل وإن كانت امرأة تولت بنت الملك قتلها غيرة على من أن يكون معي امرأة سواها قال فمكثنا في البئر وهذه حالنا أكثر من سنة إذ دلى إلى البئر دلو فعلمت أن مدليه غير راخاني ولابد أن يكون فاعل ذلك رومي، ووقع لي أن أقدم الجارية فتتخلص ثم تعرفه حالي فيرد الدلو فأخرج قال: فحملت ابنة الملك فجعلتها في الدلو بكسوتها وحليها وجوهرها واجتذب القوم الدلو فخرجت إليهم الجارية وإذا القوم مماليك لأبي ولم ينتبهوا على السؤال عنى وهابتهم الجارية وقد كانوا رأوا ما كان فيه أبى وأمي من غلبة الحزن عليهما من فقدي فدبروا بالمصير بالجارية إلى أبوى ليتخذوا عندهم يدا وليتخذاهما الجارية ولدا يسكنان إليها ويتعزيان بها فصاروا بها إليهما فسرا بها وسكنا إليها واستمرت إلفتهما بالجارية فحصلت خير محصل وقد كان صديق لأبي له أدب وحكمه وعلم بالتصاوير صور له صورتي في خشية وزوقها وجعلها لأبوي في بيت وقال لهما متى ما ذكرتما ابنكما واشتد جزعكما فادخلا وانظرا إلى هذه الصورة فإنكما ستبكيان بكاء شديدا يعقبكما سلوة (قال البطريق): ولما صارت الجارية إلى والدي ورأتهما يدخلان ذلك البيت ويخرجان وقد بكيا سبقتهما مرة وهما داخلان فبصرت بالصورة فلما رأتها لطمت وجهها ومزقت شعرها وثيابها فسألاها عن
(١٥١)