أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بالأصفهاني، بالاسناد عن محمد بن أبي العتاهية، قال: حدثني أبي قال لما امتنعت من قول الشعر وتركته أمر المهدى بحبسي في السجن سجن الجرائم فأخرجت من بين يديه إلى الحبس فلما دخلته استوحشت ودهشت وذهل عقلي ورأيت منظرا هائلا ورميت بطرفي أطلب موضعا آوى فيه أو رجلا آنس بمجالسته فإذا أنا بكهل حسن السمت نظيف الثياب يبين عليه سيما الخير فقصدته وجلست إليه من غير أن أسلم عليه وأسأله عن شئ من أمره لما أنا فيه من الجزع والحيرة فمكثت كذلك مليا وأنا مطرق مفكر في حالي فأنشد الرجل:
تعودت مس الضر حتى لقيته * وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر وصيرني يأسى من الناس واثقا * بحسن صنيع الله من حيث لا أدرى قال فاستحسنت البيتين وتبركت بهما وثاب إلى عقلي فأقبلت على الرجل وقلت له: تفضل أعزك الله بإعادة هذين البيتين. فقال لي: ويحك يا إسماعيل ولم لم تكنني ما أسوأ أدبك وأقل عقلك ومروءتك، دخلت ولم تسلم تسليم المسلم على المسلم، ولا توجعت لي توجع المبتلى للمبتلى، ولا سألتني سؤال الوارد على المقيم حتى إذا سمعت بيتين من الشعر لم يجعل الله عز وجل فيك خيرا، ولا أدبا ولا جعل لك معاشا غيره لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مما قدمت وأفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتدئا كأن بيننا انسا قديما أو صحبة تبسط المنقبض فقلت له: فاعذرني متفضلا فان دون ما أنا فيه يدهش. قال: وفى أي شئ أنت؟ إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقوله وأنت لابد أن تقوله فتطلق، وأنا يدعى بي الساعة فأطالب باحضار عيسى بن زيد بن رسول الله صلى لله عليه وسلم فإن دللت عليه فقتل لقيت الله عز وجل بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمي فيه وإلا قتلت. فأنا أولى بالحيرة منك. وأنت ترى احتسابي وصبري. فقلت: يكفيك الله عز وجل. وأطرقت وجهي خجلا منه فقال لي: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع اسمع البيتين واحفظهما