خلق كثير من رعيتك إلا أنهم قد صاروا إلى دور خراب وأحوال قبيحة بلا فرش ولا كسوة ولا دواب ولا ضياع موتى جوعا وهزالا قال: فما ترى؟ قال يا أمير المؤمنين: في الخزائن والأصطبلات بقايا ما أخذ منهم فلو أمرت أن ينظر في ذلك فكل من وجد له شئ باق من هذا رد عليه وأطلقت عن ضياعهم لعاشوا وخف الاثم وتضاعف الدعاء وقويت العافية. قال:
فوقع بذلك عنى. فوقع عنه ابن أبي داود فما شعرنا من الغد إلا وقد رجعت نعمنا علينا ومات الواثق بعد ثلاثة أيام وفرج الله عز وجل عنا بابن أبى دؤاد وبقيت له المكرمة العظيمة في أعناقنا.
حدثني أبو الحسن علي بن هشام، قال: سمعت أبا الحسن علي بن عيسى وأبا الحسن الأيادي الكاتب يقولان: كان عبيد الله بن سليمان يقول كنت بحضرة أبى في ديوان الخراج بسر من رأى وهو يتولاه إذ دخل عليه أحمد بن خالد الصرفيني الكاتب فقام إليه أبى قائما من مجلسه وأقعده في صدره وتشاغل به ولم ينظر في عمل حتى نهض ثم قام معه وأمر غلمانه بالخروج بين يديه فاستعظمت أنا وكل من في المجلس هذا، لان رسم أصحاب الدواوين صغارهم وكبارهم لا يقومون في الديوان لاحد ممن خلق الله تعالى ممن يدخل إليهم فتبين أبى ذلك في وجهي فقال لي يا بنى: إذا خلونا فاسألني عن السبب فيما عملته مع هذا الرجل. قال: وكان أبى يأكل في الديوان وينام فيه ويعمل عشيا فلما جلسنا نأكل لم أذكره إلى أن رأيت الطعام كاد ينقضى فقال لي هو: يا بنى شغلك الطعام عما قلت لك أن تذكرني به فقلت: لا ولكن أردت أن يكون ذلك على خلوة. فقال يا بنى: هذه خلوة ألست أنكرت أنت والحاضرون قيامي لأحمد بن خالد عند دخوله وخروجه وما عاملته به؟ قلت:
نعم. فقال: كان هذا يتقلد مصر فصرف عنها، وقد كانت مدته فيها طالت فوطئت آثار رجل لم أر أجمل آثارا منه، ولا أعف عن أموال السلطان والرعية ولا رأيت رعية لعامل أشكر من رعيته له، وكان الحسين المعروف بعرق الموت الخادم صاحب البريد بمصر أصدق الناس لنفع هذا، وهو من أبغض أناس إلى وأشدهم اضطراب أخلاق فلم أتعلق عليه بحجة