هنا؟ فأومأت إليهم بالسكوت، وقلت الله الله في دمى فان حديثي يطول فتذمموا على أن لا يفضحوني، وقال بعضهم: ما بال لحيتك قد ابيضت؟ فقلت: لا أعلم وأخذت من قربة بعضهم فطريت قربتي وخرجت فلما صرت في موضع من دار الخليفة وقعت مغشيا على وركبتني حمى عظيمة وذهب عقلي فمر بي الفراشون وحملوني إلى منزلي وأما لا أعقل، فأقمت مبرسما مدة طويلة وقد كنت عاهدت الله وأنا في الباذاهنج إن هو خلصني منه لا أخدم أحدا أبدا، ولا أشرب النبيذ، وأقلع عن أشياء تبت منها. فلما تفضل الله عز وجل على بالعافية وفيت بالنذر وبعث أشياء كانت لي وضممتها إلى دراهم كانت عندي ولزمت دكانا لعمتي أتعلم فيه التجارة وأتجر وتركت الدار، فما عدت إليها إلى الآن ولا أعود أبدا إلى خدمة الناس ولا انقض ما تبت منه ورأيت لحيته قد كثر فيها الشيب.
حدثنا علي بن هشام، قال: كان أبو الحسن بن الفرات لما ولى الوزارة الأولى وجد سلمان بن الحسن يتقلد مجلس المقابلة في ديوان الخلافة من قبل علي بن عيسى والديوان إذ ذاك كله إلى علي بن عيسى، فقلد أبا الحسن بن الفرات سلمان الديوان بأسره وأقام يتقلده نحو سنتين فأقام ليلة في دار ابن الفرات يصلى المغرب فسقط من كمه رقعة رآها بعض من حضر فأخذها ولم يفطن لها سلمان فقرأها فوجدها سعاية في حق ابن الفرات واشيا به إلى المقتدر، وسعيا لابن عبد الحميد كاتب السيدة في الوزارة، فتقرب بها إلى ابن الفرات فقبض على سلمان للوقت وأنفذه في زورق مطبق إلى واسط فحبسه بها وصادره وعذبه وكان في العذاب دهرا وآيس من الخلاص. فبلغ ابن الفرات أن أم سلمان بن الحسن ماتت ببغداد وأنها كانت تتمنى رؤيته قبل موتها، فاغتم لذلك وتذكر المودة بينه وبين أبيه الحسن بن مخلد فكتب إليه بخطه كتابا أقرأنيه سلمان بعد سنين كثيرة من ذلك الحال وحفظته ونسخته وهو: " بسم الله الرحمن الرحيم: ميزت أكرمك الله بين حقك وجرمك، فوجدت الحق يوفى عن الجرم، وتذكرت من سالف خدمتك في المنازل