فأخذ الصديق الفرخ فمسحه من التراب وأعاده في وكره فرد الله عليه عقله وقال ابن عيينة: ما يكرهه العبد خير له مما يجب، لان ما يكرهه يهيجه على الدعاء وما يحبه يلهيه. وروى عن عبد الصمد العمى قال: سمعت مالك بن دينار يقول في مرضه وهو آخر كلام سمعته منه: ما أقرب النعم من البؤس يعقبان ويوشكان زوالا. وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لجلسائه يوما وفيهم عمرو بن العاص: ما أحسن شئ يناله المرء؟ فأتى كل رجل برأيه وعمرو ساكت. فقال له عمر: ما تقول يا عمرو؟ قال الغمرات ثم ينجلين. كتب سعيد بن حميد إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر كتابا من الأنبار قال فيه: وأرجو أن يكشف الله بالأمير هذه الغمة الطويل مداها، البعيد منتهاها، فإن طولها قد أطمع في انقضائها، وتراخى أيامها قد سهل طريق الامل لفنائها.
قال مؤلف هذا الكتاب: لحقتني محنة عظيمة من السلطان فكتب إلى أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي رقعة يتوجع إلى فيها نسختها:
بسم الله الرحمن الرحيم: " مدد النعم أطال الله بقاء القاضي بغفلات المسار وان طالت أحلام، وساعات المحن وإن قصرت بسوابغ الهم أعوام، وأحظانا بالمواهب من ارتبطها بالشكر، وأنهضنا بأعباء المصائب من قاومها بعدد الصبر، إذ كان أولها بالعظة مذكرا، وآخرها بمضمون الفرج مبشرا، وإنما يتعسف ظلم الفتنة، ويتمسك بتفريط العزم ضال الحكمة، ومن كان بسنة الغفلة مغمورا، وبضعف المنية والرأي مقهورا، وفى انتهاز فرص الحرم مفرطا، ولمرضى ما اختاره الله تعالى متسخطا والقاضي أنور بصيرة، وأطهر سريرة، وأكمل حزما، وأنفذ مضاء وعزما من أن يتسلط الشك على يقينه، أو يقدح اعتراض الشبه في مروءته ودينه، فيلقى ما اعتمده الله من طارق القضاء المحتوم بغير واجبه من فرط الرضا والتسليم، ومع ذلك فإنما تعظم المحنة إذا تجاوزت، وضعف التنبيه من الله جل ذكره إلى واجب العقوبة، ويصير تجنى السلطان بها وجوب الحجة فشغلت الألسن عن محمود الثناء منها