ابن هبيرة واليا على العراق من ولاة يزيد بن عبد الملك فلما مات يزيد واستخلف هشام قال عمرو بن هبيرة سيولى هشام العراق أحد الرجلين سعيدا الخرشي، أو خالد بن عبد الله القسري، فان ولى ابن النصرانية خالدا فهو البلاء. فولى هشام خالدا فدخل واسطا وقد أوذن عمرو بن هبيرة بالصلاة فهو يتهيأ والمرآة في يده يسوى عمته إذ قيل له هذا خالد قد دخل.
فقال عمرو بن هبيرة: هكذا تقوم الساعة تأتى بغتة. فقدم خالد فأخذ عمرو ابن هبيرة فقيده وألبسه مدرعة صوف. فقال يا خالد: بئس ما سننت على أهل العراق ما تخاف أن يوجد فيك بمثل هذا؟! فما طال حبسه جاءه موال له فاكتروا دارا إلى جانب الحبس ثم نقبوا سردابا إلى الحبس، واكتروا دارا أخرى إلى جانب حائط سور مدينة واسط فلما كانت الليلة التي أرادوا أن يخرجوه فيها من الحبس أفضى النقب إلى الحبس فخرج منه في السرداب، ثم خرج من الدار يمشى حتى بلغ الدار التي بجانب سور المدينة وقد نقب فيها فخرج في السرداب منها، وقد هيئت له خيل خلف حائط المدينة فركب وعلم به بعد ما أصبحوا وقد كان أظهر علة قبل ذلك لكي يتمسكوا عن تفقده في كل وقت. فأتبعه خالد سعيدا الخرشي فلحقه وبينه وبى الفرات شئ يسير فتعصب وتركه وقال الفرزدق شعرا:
ولما رأيت الأرض قد سد ظهرها * ولم تر إلا بطنها لك مخرجا دعوت الذي ناداه يونس بعد ما * ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا خرجت ولم يمنن عليك طلاقة * سوى زائد التقريب من آل أعوجا فأصبحت تحت الأرض قد سرت ليلة * وما سار سار مثلها حين أدلجا قال سليمان بن أبي شيخ: فحدثني أبى خبرة عن أبي الجنحات قال:
حدثني حازم مولى عمرو بن هبيرة حين هرب من السجن فبلغنا دمشق بعد العتمة فأتى مسلمة بن عبد الملك خلف الصبح فاستأذن مسلمة على هشام ابن عبد الملك فدخل عليه. فلما رآه قال يا أبا سعيد: أظن ابن هبيرة قد طرقك في هذه الليلة؟ قال أجل يا أمير المؤمنين: فقد أجرته فهبه لي. قال:
قد وهبه لك.