صعد إلى القلعة من حاشية عضد الدولة إلى محمد في حبسه جزع جزعا شديدا ولم يشك في أنهم دخلوا بأمر أبى تغلب لقتله، فأخذ يتضرع ويقول ما يدعو أخي إلى قتلى. فقال له صالح: لا خوف عليك وإنما أمر الملك أن نطلقك وتمضى إليه مكرما، فإنه قد ملك هذه البلاد. فقال: أغلب ملك الروم على هذه النواحي وفتحت له القلعة؟ قال: لا. ولكن الملك عضد الدولة. قال الذي كان بشيراز؟ قال: نعم وقد جاء إلى بغداد فقال محمد: وأين بختيار؟ فقالوا قتل. قال وأين أبو تغلب؟ قالوا انهزم ودخل إلى بلاد الروم. قال: وأين الملك عضد الدولة؟ قالوا بالموصل. وهو ذا تحمل إليه مطلقا مكرما فسجد حينئذ وبكى بكاء شديدا وحمد الله عز وجل وجاؤا ليفكوا حديده وأغلاله فقال لا أمكن من ذلك إلا بعد أن يشاهد حالي الملك فحمل إلى الموصل فرأيته وقد أصعد به مقيدا من المعبر الذي عبر فيه في دجلة إلى دار أبى تغلب التي نزلها عضد الدولة بالموصل وأنا إذ ذاك أتقلدها له وجميع ما فتحه مما كان في يد أبى تغلب مضافا إلى حلوان وقطعة من طريق خراسان، فرأيت محمدا يمشى في قيوده حتى دخل إليه فقبل الأرض بين يديه ودعا له وشكره، وأخرج إلى حجرة من الدار فأخذ حديده وحمل على فرس فاره بمركب من ذهب، وقيد بين يديه خمس دواب بمراكب فضة مذهبة وخمس بجلالها، وثلاثون بغلا بأفكها محملة مالا صامتا، ومن صنوف الثياب الفاخرة والفرش السرى والطيب والآلات المرتفعة القدر والعلوفات والحيوان والحلو والطعام ونقل وفاكهة وأنبذة وغير ذلك ثم أقطعه بعد أيام أقطاعا بثلاثمائة ألف درهم وولاه إمارة بلده وأعماله وهو الذي كان يتولاه لأبي تغلب.
وذكر الحسين القاضي في كتابه: " كتاب الفرج بعد الشدة " قال: بلغني أن عمرو بن معدى كرب الزبيدي قال: خرجت في خيل من بنى زبيد أريد غطفان فبينما أنا أسير وقد انفردت من أصحابي إذ سمعت صوت رجل ينشد شعر فتفهمته فحفظته وهو هذا: