فامض وابتع لي فصا، واكتب عليه: أحمد المعتضد بالله، واصنعه خاتما وائتني به. ففعل، ولبسته وقلت: إذا وليت الخلافة جعلت لقبي المعتضد بالله قال: ثم أخذت أقطع ضيق صدري في الحبس بتصفح أحوال الدنيا وأعمال فكرى في تدبير عمارة الخراب منها، ووجه فتح المنغلق منها، وتعيين العمال للنواحي والامراء للبلدان ثم أخذت رقعة وكتبت فيها بدرا الحاجب وعبيد الله بن سليمان الوزير، وفلان أمير البلد الفلاني، وفلان عامل البلد الفلاني، وفلان للديوان الفلاني. إلى أن أتيت على ما في نفسي من ذلك، ودفعتها إلى الغلام وقلت: احتفظ بها فان دمى ودمك مرتهنان بما فيها فحفظها وما مضى على الامر إلا أيام يسيرة حتى لحقت الموفق غشية لم يشك الغلمان في أنه قد مات. فجاؤوا إلى فأخرجوني فصرت إلى بيت فيه الموفق فلما رأيته علمت أنه غير ميت، فجلست عنده وأخذت يده أقبلها وأترشفها، فأفاق فلما رآني أفعل ذلك أظهر التقبل وأومأ إلى الغلمان أن أحسنتم فيما فعلتم ثم مات الموفق في ليلته تلك، ووليت مكانه فأمضيت بقايا تلك التدبيرات كلها. قال لي أبي: قال ابن حمدون: فما تعرض المعتضد في أيامه للعلويين ولا آذاهم ولا قتل منهم أحدا لهذا المعنى.
قال علي بن هاشم بن عبد الله الكاتب بإسناده: أن أبا الحسين بن ميمون الأفطس كاتب المتقى في أيام أبيه ووزيره لما استخلف قال:
كان بيني وبين أبى أيوب بن سليمان بن وهب مودة وكيدة فلما تسهلت محنته بعد قتل إيناخ صرت إليه وهو محبوس مقيد إلا أنه مرفه في الكسوة وكبر الدار والفرش وحسن الخدمة، وقد صلحت حاله بالإضافة إلى ما كان عليه في أول نكبته من الضرب والتضييق فحدثني أنه رأى في ليلته تلك في منامه كأن قائلا يقول هذا البيت:
اصبر ورب البيت لا يقتادها * أحد سواك وحظك الموفور قال: فصرت إلى أخيه أبى علي بن الحسن بن وهب فحدثته بذلك فسر به