حدثنا أبو علي الحسين بن محمد بن موسى الأنباري الكاتب الذي كان زوج ابن المهلبي بن محمد رحمه الله بإسناده: أن القاسم بن عبد الله لما تفرد بالوزارة بعد موت أبيه كان يحب الشرب واللعب ويخاف أن يتصل بالمعتضد خبره فيستنقصه وينسبه إلى الصبوة والتهتك والتشاغل واللذات عن الأعمال، وكان لا يشرب إلا في حالين على إخفاء وأستر ما يكون، وأنه خلا يوما مع جوار مغنيات ولبس من ثيابهن المصبغات وأحضر فواكه كثيرة وشرب ولعب من نصف نهار يوم إلى نصف الليلة الأخرى ونام بقية الليلة وبكر إلى المعتضد للخدمة على رسمه فما أنكر شيئا، وبكر في اليوم الثاني فحين وقعت عين المعتضد عليه قال له: يا قاسم ما كان عليك لو دعوتنا إلى خلوتك وألبستنا معك من ثيابك المصبغات؟ قال فقبل الأرض وروى عن الصدق وأظهر الشكر على هذا البسط وخرج وقد كاد يتلف غما لوقوف المعتضد على هذا القدر من أمره وكيف لا تخفى عليه مواقفه فجاء إلى داره كئيبا وكان له في داره صاحب خبر يقال له خالد يرفع إليه أمورها فأحضره وعرفه بما جرى بينه وبين المعتضد وقال له: إن بحثت لي عمن أخرج هذا الخبر إليه زدت في رزقك وأجزتك كذا، وإن لم تعرفه نفيتك إلى عمان وحلف له على الامرين فخرج صاحب خبره من حضرته متحيرا كئيبا لا يدرى ما يعمل يومه ويفكر ويحتال ويجتهد فما وقع له رأى يعمل عليه. قال صاحب الخبر: فلما كان من الغد بكرت إلى دار القاسم زيادة تبكير على ما جرى به رسمي لفرط سهري وقلقي تلك الليلة ومحبتي للبحث فجئت ولم يفتح باب دار القاسم بعد فجلست فإذا برجل يزحف في ثياب المكدين ومعه مخلاة كما يكون مع المكدين فلما جاء إلى الباب جلس حتى فتح فسابقني إلى الدخول فأولع به البوابون وقالوا أي شئ خبرك يا فلان وصفعوه فمزحهم وطايبهم وشتمهم وشتموه وجلس في الدهليز فقال: الوزير يركب اليوم. قالوا: نعم الساعة يركب قال: وأي وقت نام البارحة؟ قالوا وقت كذا وكذا. فلما رأيته يسأل عن هذا خمنت أنه صاحب خبر فأصغيت إليه ولم أرهم يحفلون بأمره وهو لم يدع بوابا ممن وصل إلى الوزير وممن لم يصل إلا سأله عنه وحدثه به. ويبدؤه
(١٠٨)