لن تكسب شيئا سوى قوتك إلا كنت في خازنا لغيرك بعد موتك. وقال وداعة السهمي في كلام له: اصبر على الشر إن فدحك فربما أجلى عما يفرحك وتحت الرغوة اللبن الصريح. وقال شريح: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات. أحمده إن لم تكن أعظم مما هي، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجوه من الثواب، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني. ويشبه هذا ما يروى عن بزر جمر لما حبسه أنو شروان عند غضبه عليه في بيت كالقبر ظلمة وضيقا، وصفده بالحديد وألبسه الخشن من الصوف، وأمر أن لا يزاد على قرصين في كل يوم من شعير، وكف ملح جريشا ودورق ماء، وأن تحصى ألفاظه فتنقل إليه. فأقام بزرجمهر أياما لا يتكلم فقال أنو شروان: أدخلوا إليه أصحابه وأمروهم أن يسألوه ويفاتحوه في الكلام واسمعوا ما يجرى بينهم وعرفونيه. فدخل إليه جماعة من المختصين به وقالوا أيها الحكيم: نراك في هذا الضيق والحديد، والصوف والشدة التي وقعت فيها، ومع هذا فان سحنة وجهك، وصحة جسمك على حالهما لم يتغيرا فما السبب في ذلك؟ فقال: إني عملت جوارشا من ستة أخلاط آخذ منه في كل يوم شيئا فهو الذي أبقاني على ما ترون. قالوا: فصفه لنا فعسى أن يبتلى بمثل بلواك من إخواننا أحد فيستعمله أو نصفه له. قال: الخلط الأول: الثقة بالله عز وجل، والخلط الثاني: علمي أن كل مقدر كائن، والخلط الثالث: أن الصبر خير ما استعمله الممتحن، والخلط الرابع: ان لم أصبر فأي شئ أعمل، والخلط الخامس: قد يمكن أن أكون في أشر مما أنا فيه، والخلط السادس: من ساعة إلى ساعة فرج. قال فبلغ كسرى كلامه فعفا عنه.
(٣٨)