يا قريبا غير بعيد، يا شاهدا لا يغيب، ويا غالبا غير مغلوب، اجعل لي من أمرى فرجا ومخرجا وارقني رزقا واسعا من حيث لا أحتسب إنك على كل شئ قدير. قال: فواصلت الدعاء بذلك فما مضت إلا مدة يسيرة حتى وجه المهلبي فأخرجني من الحبس وقلدني الاشراف على أحمد بن محمد الطويل في أعماله بأسافر الأهواز.
حدثني أبو الربيع سليمان بن داود وكانت جدته تعرف بشمسة قهرمانة كانت في دار القاضي أبى عمرو محمد بن يوسف رحمه الله قال: كان في جوار القاضي قديما رجل انتشرت عنه حكاية وظهر في يده مال جليل بعد فقر طويل وكنت أسمع أن أبا عمرو حماه من السلطان فسألت عن الحكاية فدافعني طويلا ثم حدثني فقال: ورثت عن أبي مالا جليلا فأسرفت فيه وأتلفته حتى أفضيت إلى بيع أبواب داري وسقوفها، ولم يبق لي في الدنيا حيلة وبقيت مدة لا قوت لي إلا من بيع أمي لما تغزله وتطعمني ونفسها منه فتمنيت الموت فرأيت ليلة في منامي كأن قائلا يقول لي غناك بمصر فاخرج إليها فبكرت إلى أبى عمرو القاضي وتوسلت إليه بالجوار والخدمة التي كانت من أبى لأبيه وسألته أن يزودني كتابا إلى مصر لا تصرف بها ففعل وخرجت فلما حصلت مصرا وصلت الكتاب وسألت التصرف فسد الله على التصرف حتى لم أظفر بتصرف ولا لاح لي شغل، ونفذت نفقتي فبقيت متحيرا وفكرت في أن أسأل الناس وأمد يدي إلى الطريق فلم تسمح نفسي بذلك فقلت أخرج ليلا وأسأل الناس بين العشاءين فما زلت أمشى في الطريق وتأبى نفسي المسألة ويحملني الجوع عليها وأنا ممتنع إلى أن مضى من الليل نصفه فلقيني الطائف فقبض على فوجدني غريبا فأنكر حالي فسألني فقلت رجل غريب ضعيف فلم يصدقني وبطحني وضربني مقارع فصحت وقلت له أنا أصدق فقال هات فقصصت عليه قصتي من أولها وحديث المنام فقال لي: أنت رجل ما رأيت أحمق منك والله لقد رأيت منذ كذا وكذا سنة في النوم كأن قائلا يقول لي ببغداد بالشارع الفلاني بالمحلة الفلانية - قال - فذكر شارعي ومحلتي فسكت