فدنا الأموي وسلم بالخلافة ووقف. فرد عليه الرشيد ردا جميلا وأمره بالجلوس فجلس فأقبل عليه الرشيد يسائله عن حاله، ثم قال له: إنه بلغنا عنك فضل هيئة، وأمور أحببنا معها أن نراك ونسمع كلامك ونحسن إليك فاذكر حاجاتك. فأجاب الأموي جوابا جميلا وشكر ودعا وقال: أما حاجاتي فما لي إلا حاجة واحدة. قال: مقضية. فما هي؟ قال يا أمير المؤمنين تردني إلى بلدي وأهلي وولدي. قال نحن نفعل ذلك، ولكن سل ما تحتاج إليه من مصالح جاهك ومعاشك، فإن مثلك لا يخلوا أن يحتاج إلى شئ من هذا؟. فقال: عمال أمير المؤمنين منصفون وقد استغنيت بعدلهم عن مسألته من ماله، وأموري منتظمة وأحوالي مستقيمة وكذلك أمور أهل البلد بالعدل الشامل في ظل دولة أمير المؤمنين. فقال الرشيد: انصرف محفوظا إلى بلدك. واكتب لنا بأمر إن عرض لك. فودعه الأموي فلما ولى خارجا قال الرشيد يا منارة: أحمله من وقتك وسر راجعا كما سيرته حتى إذا أوصلته إلى المجلس الذي أخذته منه فدعه وانصرف ففعلت ذلك.
حدثني علي بن هشام قال: سمعت أبا الحسن علي بن عيسى يتحدث قال:
سمعت عبيد الله بن سليمان بن وهب يقول: حدثني أبي قال: كنت أنا والعباس ابن الخصيب مع خلق من العمال والكتاب معتقلين في يدي محمد بن عبد الملك في آخر وزرائه للواثق نطالب ببقيا مصادرات، ونحن في إياس من الفرج إذ اشتدت علة الواثق وحجب ستة أيام عن الناس فدخل إليه أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد القاضي فقال له الواثق يا أبا عبد الله: وكان يكنيه ذهبت منى الدنيا والآخرة. قال: كلا يا أمير المؤمنين. قال: بلى والله قد ذهبت منى الدنيا بما ترى من حضور الموت، وذهبت الآخرة بما أسلفت من العمل القبيح فهل عندك شئ من دواء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قد عزل محمد بن عبد الملك كثيرا من الكتاب والعمال وملا بهم الحبوس ولم يتحصل من جهتهم على شئ كثير وهم عدد كثير ووراءهم ألف يد ترفع إلى الله عز وجل بالدعاء عليك فتأمر بإطلاقهم لترتفع تلك الأيادي بالدعاء لك فلعل الله يهبك العافية، وعلى كل حال أنت محتاج إلى أن تقل خصومك. فقال: