فلما كان بعد أيام من خروجي راسلت السيدة وشكوت حالي إليها وسألتها أن تدفع إلى ذلك الخيش لأنه لا قدر له عندهم وأنا أنتفع بثمنه. قال:
فاستحمقتني وقالت: وأي قدر لهذا الخيش ردوه عليه. فسلم إلى بأسره ففتحته وأخذت منه المائة ألف دينار وما ضاع منها دينار واحد، وأخذت من الخيش ما احتجت إليه وبعت باقيه بجملة وافرة وقلت في نفسي إنه قد بقيت لي بقية اقبال جيدة.
حدثني علي بن هشام، قال: سمعت حامد بن العباس يقول: ربما انتفع الانسان في نكبته بالرجل الصغير أكثر من منفعته بالكبير، فمن ذلك:
ان إسماعيل بن بلبل لما حبسني جعلني في يد بواب كان يخدمه قديما (قال):
وكان رجلا حرا فأحسنت إليه وبررته فكنت أعتمد على عناية أبى العباس ابن الفرات وكان ذلك البواب لقدم خدمته لإسماعيل يدخل إلى مجالسه الخاصة ويقف بين يديه لا ينكر ذلك عليه لسالف الصحبة، فصار إلى في بعض الليالي وقال: قد حرد الوزير على ابن الفرات بسببك وقال له: ما يكسر المال على حامد غيرك، ولابد من الجد في مطالبته بباقي مصادرته، وسيدعو بك الوزير في غد إلى حضرته ويتهددك، فشغل ذلك قلبي. فقلت له: فهل عندك من رأى؟ فقال: تكتب رقعة إلى رجل من معامليك تعرف شحه وضيق نفسه فتلتمس منه لعيالك ألف درهم يقرضك إياها وتسأله أن يجيبك على رقعتك، فان الشحة توجبه أن يردك بعذر وتحتفظ على الرقعة فإذا طالبك الوزير تخرجها على غير مواطأة وتقول: قد أفضت حالي إلى هذا فلعل ذلك ينفعك. ففعلت ما قال وجاءني الجواب بالرد كما خمنا وشددت الرقعة معي فلما كان من الغد أخرجني الوزير وطالبني فأخرجت الرقعة إليه وأقرأته إياها ورققته وكلمته فلان واستحى، وكان ذلك سبب خفة أمرى وزوال محنتي.
فلما تقلدت في أيام عبيد الله بن سليمان سألت عن البواب وجذبته إلى خدمتي فكنت أجرى عليه خمسين دينارا في كل سنة وهو باق إلى الآن * أخبرني