لعجيف أعز الله الأمير: أنت مشغول القلب بهذا البناء وضرب هذا وقتله في أيدينا ليس يفوت، فمر بحبسه وانظر في أمره فان كانت الوقيعة صحيحة فليس يفوتك عقوبته، وإن كانت باطلة لم تتعجل الاثم وتنقطع عما أنت بسببه من الهم. فأمر بي إلى الحبس فمكثت به أياما وغزا أمير المؤمنين المعتصم فاتصل بكاتبه الخبر فأمر بإطلاقي وأطلقني، وخرجت وما اهتدى إلى حبة فضة فما فوقها فقصدت صاحب الديوان بسر من رأى فتوجع من سوء حالي وعرض على ماله فقلت بل تتفضل بتصريفي في شئ أستتر بجائزته، فقلدني عملا بنواحي ديار ربيعة واقترضت من التجار لما سمعوا خبر ولايتي ما تجملت به إلى العمل، وخرجت وكان من ضياع العمل ضيعة تعرف بكراثا فرأيتها في بعض طريقي ونزلت دارا منها، فلما كان السحر وجدت المستحم ضيقا غير نظيف. وخرجت من الدار فإذا بتل فجلست أبول عليه وخرج صاحب الدار فقال: أتدري على أي شئ بلت؟ قلت على تل تراب. فضحك وقال: هذا قبر رجل يعرف بعجيف من قواد السلطان، كان سخط عليه وحمل مقيدا فلما صار إلى ههنا قتل وطرح في هذا المكان تحت حائط. فما انصرف العسكر طرحنا الحائط عليه لنواريه من الكلاب.
قال فتعجبت من بولي خوفا منه وبولي على قبره * وروى ابن دريد عن أبي حاتم، عن أبي معمر عن رجل من أهل الكوفة قال: كنا مع مسلمة بن عبد الملك ببلاد الروم فسبا سبيا كثيرا وأقام ببعض المنازل فعرض السبي على السيف فقتل خلقا حتى عرض عليه شيخ ضعيف فأمر بقتله. فقال:
ما حاجتك إلى قتل شيخ مثلي؟ إن تركتني جئتك بأسيرين من المسلمين شابين.
قال: ومن لي بذلك؟ قال: إني إذا وعدت وفيت. قال: لست أثق إليك.
قال: فدعني أطوف في عسكرك لعلى أعرف من يكفلني إلى أن امضى وأجئ بالأسيرين فوكل به من أمره بالطواف معه في عسكره والاحتفاظ به فما زال الشيخ يطوف ويتصفح الوجوه حتى مر بفتى من بنى كلاب قائما يحسن فرسه.
فقال يا فتى: اضمني من الأمير وقص عليه قصته. قال: أفعل. وجاء الفتى معه إلى مسلمة فضمنه فأطلقه مسلمة فلما مضى. قال: أتعرفه؟ قال: لا والله.