وجدت في كتاب أبى الفرج المخزومي الحنطي، عن أبي أمية الهشامي بإسناده، عن منارة صاحب الخلفاء قال: رفع إلى هارون الرشيد أن رجلا بدمشق من بقايا بنى أمية عظيم الجاه، واسع الدنيا كثير المال والاملاك، مطاعا في البلد له جماعة وأولاد ومماليك وموال يركبون الخيل ويحملون السلاح ويغزون الروم، وأنه سمح جواد كثير البذل والضيافة، وأنه لا يؤمن منه فعظم ذلك على الرشيد. قال منارة: وكان وقوف الرشيد على هذه الحال وهو في الكوفة في بعض خرجاته إلى الحج في سنة ست وثمانين ومائة وقد عاد من الموسم وبايع أمير المؤمنين الأمين والمأمون والمؤمن أولاده فدعاني وهو خال فقال: إني دعوتك لأمر يهمني وقد منعني النوم فانظر كيف تعمل وتكون، ثم قص على خبر الأموي وقال: اخرج الساعة فقد أعددت لك الجهازات، وأزحت عنك في الزاد والنفقة والآلات، فضم إليك مائة غلام واسلك البرية وهذا كتابي إلى أمير دمشق ليركب في جيشه، فاقبضوا عليه وجئني به. وقد أجلتك لذهابك ستة، ولعودك ستة، ويوما لقعودك وهذا محمل تجعله في شقة إذا قيدته وتجلس أنت في الشق الآخر، ولا تكل حفظه إلى غيرك، حتى تأتيني به اليوم الرابع عشر من خروجك، فإذا دخلت داره فتفقدها وجميع ما فيها وولده وأهله وحاشيته وغلمانه وما يقولون، وقدر النعمة والحال والمحل واحفظ ما يقوله الرجل حرفا حرفا من جميع ألفاظه مند وقوع طرفك عليه إلى أن تأتيني به، وإياك أن يشذ عليك شئ من أمره انطلق. قال منارة: فودعته وخرجت فركبت الإبل وسرت أطوى المنازل وأسير الليل والنهار، ولا أنزل إلا للجمع بين الصلاتين والبول وتنفيس الناس قليلا إلى أن وصلت إلى دمشق في أول الليلة السابعة وأبواب البلد مغلقة فكرهت طرقها ونمت بظاهرها إلى أن فتح بابها من غد فدخلت على هيئتي حتى أتيت باب الرجل وعليه طفف كثيرة وحاشية كثيرة فلم أستأذن ودخلت بغير إذن، فلما رأى القوم ذلك سألوا بعض من معي عنى فقالوا: هذا منارة صاحب أمير المؤمنين أرسله أمير المؤمنين إلى صاحبكم
(٩٨)