فلما قال لي ذلك ارتبت به وقلت لو كان هذا من أصدقاء أخي الذين كاتبهم بتفقدي لكان قد علم مقصدي فقلت له كم كاتبك أخي أن تعطيني؟ قال:
ومن أخوك؟ فقلت: أبو يعقوب بن الأزرق الكاتب الأنباري المقيم بمصر.
قال والله ما سمعت باسم هذا الرجل قط ولا أعرفه، فورد على أعجب مورد فقلت: يا هذا إني ظننتك صديقا له وإن ما عاملتني به من الجميل بسببه فانبسطت إليك بالطلب ولو لم أعتقد هذا لانقبضت فما السبب فيما عاملتني به قال أمر هو أوكد من أمر أخيك يحب أن يكون انبساطك به أتم. فقلت ما هو؟
قال: ان خبر الوقعة بالقافلة التي كنت فيها بلغنا في يوم كذا وكذا فما بقي بدمشق أحد إلا وردت عليه مصيبة عظيمة إما بذهاب مال، أو بغم على صديق غيري فإنه لم يكن لي بشئ من ذلك تعلق واستعد الناس للخروج إلى تلقى المنقطعين وإصلاح أحوالهم، ولم أعزم أنا، فلما كان في الليل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، وكأنه يقول لي: أدرك أبا محمد بن الأزرق الأنباري فأغثه وأصلح شأنه بما يبلغه مقصده، فلما أصبحت خرجت مع الناس اسأل عنك، فكان ما رأيت فهات فاذكر الآن ما تريده. قال: فبكيت بكاء شديدا لم أقدر معه على خطابه مدة، ثم نظرت ما يبلغني مصر فطلبته منه وأخذته وأصلحت أمرى وسألت الرجل عما يعرف به؟ فقال: أنا فلان ابن فلان الصابوني. ذكره أبو محمد وأنسيه أبو الحسن. فلما بلغت إلى مصر حدثت أخي بالحديث فتعجب منه وبكى. وقال أبو الحسن: وضرب الدهر من ضربه، وورد أخي أبو محمد إلى بغداد بعد سنين كثيرة فتذاكرنا هذا الحديث. فقال لي: لما عرفني أخي أبو محمد ما عامله به ابن الصابوني الدمشقي جعلته صديقا وكنت أكاتبه فلما وردت إلى دمشق وجدت حال الرجل قد اختلفت بمحن لحقته فوهبت له ضيعتي بدمشق وكانت جليلة الغلة والقيمة وسلمتها إليه مكافأة على ما فعل وعامل به أخي أبا محمد.
قال محمد بن عبدوس في: " كتاب الوزراء " حدثني الحسين بن علي الباطقائي قال: حدثني أبي، قال: قال أحمد بن المدبر: لما أمر محمد بن عبد الملك بحبسي أدخلت محبسا فيه أحمد بن إسرائيل وسليمان بن وهب،